تفسير قوله تعالى ﴿مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾

ما هـو الشر؟

إن من الواضح : أن الإستعاذة الواردة في الآيات لم تكن من ذات الوسواس الخناس، وإنما كانت من الشر الآتي من قبله، فما هو هذا الشر الذي تحدثت عنه الآية؟ إن الحقيقة هي أن الشر هو النقص الحاصل في ما من شأنه أن يكون كاملاً، فالصحة مثلاً هي كمال من حيثية معينة. والمرض أمر عارض. يعني الإخلال بتلك الصحة والنقصان فيها، وهذا نوع من الشر، فالشر هو معنى يظهر من نسبة الشيء الناقص الموجود بالفعل إلى شيء آخر أتم منه؛ فإذا ظهر أنه ليس على حدّه في كماله إعتبروا هذا نقصاً.

وبما أن من الواضح أن ليس كل نقص شرا، بل لابد له حتى يكون كذلك مـن أن يكون هـذا الكمال من الأمور التي يندفع إليها الإنسان من موقع الحاجة إليها، لأن فقدها يوجب عروض نقص وخلل في حياته، وفي سعادته، وكماله، فلو فرضنا أن الأرض المستوية أصبحت - بسبب الزلزال - ذات تلال وهضاب، فإن هذا وإن كان خلاف الحالة التي كانت قائمة قبل الزلزال، لكنه ليس شراً، حتى لو فرض أنه أطلق عليه أنه نقص لأجل بعض الاعتبارات، لأنه لا يدخل في دائرة الطموحات والاهتمامات، ولا هو محل للإندفاع الإنساني الذي يكون لرفع حاجة الإنسان، وسد نقائصه. وليس له دور في سعادته، ولا يوجب وجوده متاعب، ولا يتسبب بشقاء له.

أما لو أن هذا الزلزال أتلف بعض ما يرتبط بحياة الإنسان، وسعادته وراحته، كبعض الأشجار المثمرة والمفيدة، أو المزروعات، أو الحيوانات التي يحتاجها، أو ما إلى ذلك، فإن هذا يعتبر شراً لأنه أوجب خللاً في سعادة الإنسان وفي كمالاته، إلا إذا كان تلف هذه الأشجار أو النباتات بالذات غير داخل في دائرة الشر، إذا لم يكن لها دور في إسعاد هذا الإنسان، وفي حياته الحاضرة أو المستقبلية، فالشيء الواحد قد يكون شراً إذا لوحظت فيه إضافة معينة، وقد لا يكون شراً إذا لوحظت فيه إضافة أخرى..