وثمة فرق آخر

وثمة فرق آخر بين ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ وبين ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ وبين ﴿ِرَبِّ النَّاسِ﴾ وهو أن الإله هو المعبود الذي لابد من الانقياد والتعبد له. ولا بد من الارتباط به ارتباط المألوه بالإله ويكون له الخضوع والتسليم المطلق، في كل الحالات والشؤون، أما الملك فإن التسليم له إنما هو من موقع الهيبة، والحاكمية، والعظمة، والسلطة. ولا يستبطن الدلالة على أن هذا الملِك يملك ذاته، أو يملِك قوته، وحياته، أو يملك عواطفه ومشاعره، أو يخلق، ويرزق، ويحيي ويميت، وأن هذا الملك يملك هذه الصفات بذاته دون الإستعاذة بغيره كإستعانة الملك بالجنود والحرس. وغير ذلك.

أما الألوهية الحقيقية للناس جميعاً فهي تستبطن الدلالة على ذلك كله، الأمر الذي يعني أن تصير العلاقة بين هذا المعيذ وبين المعاذ علاقة إله ومألوه، لابد فيها من إخلاص العبادة وتجسيد العبودية لذلك الإله إذ أنه حين يريد أن يستعيذ بالملِك، فلابد من أن يكون مؤدياً لحقوقه، من حيث كونه ملكاً، وسلطاناً، وحاكماً، وإذا أراد أن يستعيذ بالرب، فعليه أن يكون مؤدياً لحق الربوبية، شاكراً لها، من حيث كونها سبباً في أنه يربيه، ويحفظه، ويرعاه، من موقع الحكمة، والتدبير، والمحبة، والتفضل. فالعلاقة مع الإله تختلف عن غيرها؛ لأنها علاقة خالق ومخلوق، ورب ومربوب، وإله ومألوه. فهي أعمق من علاقة الربوبية ومن علاقة الملكية، والسلطان.

إن العلاقة مع الإله تشمل كل جهات وجود الإنسان. من حيث تكوينه، ومن حيث خلقته، ومن حيث تسخير كل ما في هذا الكون من أجله، فإذا كان المطلوب منه العرفان بالجميل والشكر للرعاية والتفضل للرب، أو أداء حق السلطان وحفظ هيبته وعظمته، ليكون هذا الإنسان في موقع يستحق فيه أن يستجاب له دعاءه؛ فإن المطلوب منه مع الألوهية لكي تتحقق الاستجابة له، أن يعامله على أنه إله ومعبود. وهذا يستبطن نوعاً من العلاقة معه أرسخ وأرقى.

قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات/56) والعبادة تعني انسلاخ الإنسان من نفسه والفناء في معبوده، وأن يرسم كل حياته وفق إرادته، ورضاه. وكما قالت الحوراء زينب: (رضى الله رضانا أهل البيت) فلا تكون له مشيئة سوى مشيئته: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (الإنسان/30).