﴿مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ﴾

والملِك سبب آخر للحفظ. وهو سبب مستقل في ذلك، فالملِك يملك قدرات مستوعبة، ومنبسطة على الناس كلهم. ومن يكون كذلك فهو قادر بهيمنته أن يحميهم، وبسلطته أن يحفظهم، وبقدراته وإمكاناته أن يرد عنهم كل ما يريد أن ينتقص من وجودهم، أو يسيء إلى حياتهم، وكلمة ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ تصبح بمثابة الدليل على هذا المدعى، وهذا ما يجعل المستعيذ يطمئن للاستجابة.

لكن كـلمة ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ تفقد الإشارة إلى خصوصية الحرص على تكامل المستعيذ، وتفقد أيضاً خصوصية المحبة فيما يرتبط بالحفظ والرعاية. وتشير فقط إلى الحفظ من موقع السلطان، والهيبة، والقوة، ومن كل ما ذكرناه يتضح أن كلمة ﴿بِرَبِّ النَّاسِ﴾ هي الأقرب إلى الفطرة، ولذلك بدأ بها. ثم هو -أي المستعيذ- حين يريد أن يطرق كل باب، ويستعين بكل جهة تستطيع أن تعينه وتعيذه، فإنه بعد أن يستعيذ بربه قد يجد في نفسه ما يمنعه من الإستعاذة؛ بسبب عدم رعايته لحقه؛ أو غير ذلك من أسباب، فإنه يلتجئ إلى من يملك القوة والسلطان ليستعيذ به؛ فيقول: ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾.

ثم ينتقل للإستعاذة بإله الناس، لأن الألوهية تستبطن استجماع صفات الكمال، والجلال، والجمال.. لاسيما إذا كانت ألوهية للناس جميعاً، مما يعني أنها ألوهية حقيقية، ولعل هذه الجامعية للصفات هي السبب في أنـه تعالى لم يقل هنا: "معبود الناس" بل قال: ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ فإن الألوهية تستبطن كونه حياً، قيوماً، عالماً، قادراً، وكونه رازقاً، رؤوفاً، رحيماً الخ.. وكونه غير عاجز، ولا ناقص، ولا جاهل، ولا ظالم الخ، فهو يعيذ إذاً بمقتضى ذاته، ومن موقع ألوهيته. فالألوهية هي الوصف والمعنى الأتم، فإن هذا الإله رب من موقع رحمانيته، ورحيميته، ورازقيته، وخالقيته، وعلمه، وحكمته.. وهذا الإله ملِك من حيث قدرته، وهيبته، وعظمته، وسلطانه، وتدبيره، فكلمة: ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ تَستبطن في الحقيقة كونه رباً، وكونه ملكاً.