رب الناس

وقد تقدم: أن "الرب" هو الذي يدبر أمور مربوبه، ويدفع عنه كل ما يوجب خللاً في كماله، أو نقصاً في أي شأن من شؤون حياته، فإذا كان رباً للناس جميعاً؛ فإنه يملك القدرة على أن يدفع الغوائل عنهم جميعاً، وعلى أن يجلب لهم جميعاً المنافع؛ بإعتبار أن ربوبيته للجميع تقتضي قدرته على إيصال النفع للجميع. فتكون كلمة الناس بمثابة الإلماح والإشارة إلى الدليل المقنع والشاهد الحي، الذي من شأنه أن يبعث الطمأنينة في نفس المستعيذ؛ فهو من قبيل الدعوى مع دليلها، بإعتبار أن من يتصدى للحفظ وللتربية لابد أن يكون دائراً مدار احتمالين اثنين: أحدهما أن يكون قادراً على أن يحفظ من يربيه مطلقاً، الثاني: أن يكون لديه قدرة في بعض الأحيان، أو الحالات، أو الجهات. مع قصور في نواح وحالات وجهات أخرى في الإمكانات الفكرية، أو المادية، أو في القدرات الرادعة للغير، والحافظة للمربوب.

ولكن حينما يتأكد للمربوب أن هـذا الرب ربّ للناس جميعاً، وأنه ملك لهم جميعاً، وأنه إله لهم جميعاً، فإن ذلك يعني أنه يملك قدرة مطلقة يستطيع من خلالها أن يرعى هؤلاء جميعاً، وهذا ما يفسِّر لنا سبب جعل الله سبحانه وتعالى في هذه السورة العوذ للفرد بمن هو رب للناس جميعا، ومن جهة ثانية.. إن هذه الربوبية إذا استبطنت الرعاية والحكمة، والعلاقة والمحبة والعاطفة، وإرادة التكامل للمربوب، وإرادة الحفظ من أي شيء يمكن له أن يسيء إلى هذا الوجود وينقص من كمالاته ؛ فكلمة رب الناس هي أقرب الأشياء إلى المستعيذ، بحسب ما لديه من آمال وتوقعات؛ فيندفع إلى الاستعاذة بالرب أولاً؛ لأنه هو الأقرب إليه، والأحرص عليه.