لماذا لم يقل: رب العالمين

ثم إنه قال: ﴿مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ﴾ ولم يقل: "ملك العالمين" مع العلم أن كلمة العالمين أوسع وأشمل، خاصة وأن الاستعاذة هي من الجنة والناس، التي توحي بإتساع الخطر الذي يريد التعوُّذ منه، حتى إنه يشمل الإنس والجن، فلعل سبب ذلك هو أن المراد بالعالمين ليس هو العوالم المختلفة، مثل عالم الطير، وعالم النبات، وعالم الجماد، وعالم الإنسان، وعالم الحيوان؛ ليكون له شمولية متميزة عن كلمة الناس، وإنما هي خاصة بعقلاء البشر، دون غيرهم.

وقد قال تعالى: ﴿فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة/47)؛ فالمراد بالعالمين: الجماعات العظيمة من الناس، الذين تجمعهم رابطة معينة مثل رابطة اللغة، أو الجغرافيا، أو العرق، أو غير ذلك، وقد ذكرنا أن كلمة الناس قد أريد بها الإشارة إلى خصوصية الإنسانية في هذا المخلوق، وإلى مؤهلاته المميزة له في هذا الإتجاه، بما له من عقل، ومشاعر، وأحاسيس، وعواطف. وليس المقصود مجرد الحديث عن الأشخاص والجماعات، بما هم لحم، ودم، وبشر، بغض النظر عن خصوصياتهم الإنسانية، ولذا لم يقل: قل أعوذ برب البشر، لأنه لا يريد أن يتحدث عن هذا المخلوق بصفته البشرية التي تعني أنه مجرد موجود مادي له بشرة بادية.

وأما لماذا لم يقل: "قل أعوذ برب الجنة والناس"؟ فلعله من أجل أنه يراد للحديث أن يجرى على وفق السجية والفطرة، حيث يساق الإنسان إلى الحديث عما هو قريب منه، ومألوف لديه وله إرتباط به، والخلاصة: أن كلمة: "الناس" قادرة على الإيحاء بخصوصيات، وميّزات مقصودة بالإفهام. وسائر التعابير الأخرى غير قادرة على الإيحاء بها.