برب الناس هي الأوفق بالمراد

وقد قال تعالى : ﴿..بِرَبِّ النَّاسِ﴾، ولم يقل "بربي"، مع أن الإنسان بحسب المألوف إنما يعوذ بربه هو، حيث يشعر إلى جانبه بالأمان والسلامة، ولعل هذا التعبير قد جاء لأسباب ثلاثة، أو لأحدها:

الأول: أن ما يستعيذ منه هذا الشخص لا ينحصر تأثيره بخصوص المستعيذ، بل إن وسوسته حين تنعكس على ممارساته، ونفسه، وروحه، وكل حياته، وما يصدر عنه من سوء ستنال سلبياتها الآخرين أيضاً.. فإن الروح، والمشاعر، والممارسات، والمواقف، ستتعداه إلى غيره، لتكون سبباً في إفساد حياة الناس، وفي إتعابهم، والله سبحانه وتعالى الذي يرعى الجميع لأنه ربهم وحافظهم، لابد أن يحفظه، كمقدمة إلى حفظهم؛ فجدير به أن يطلب من الله سبحانه وتعالى حينئذ أن يرفع هذا الأمر السلبي عن نفسه، وعن غيره ممن يتعرضون للعدوان وللمشكلات بسبب تلك الوسوسة، والإنسان إذا دعى الله سبحانه وتعالى فيما يرتبط بحفظ الكيان العام، فذلك أدعى لأن يكون هذا الدعاء أكثر خلوصاً، وأعظم أثراً، لما يرفده من إحساس عميق بحجم الكارثة التي يتعرض لها الكيان العام بسببه.

أضف إلى ذلك: أن الإنسان ربما لا يجد في نفسه أهلية لأن يدعو لنفسه، ولكنه يجد الجرأة على الدعاء لغيره، ليدفع البلاء عنهم. وذلك لأنه يرى من نفسه أنها في مواقع لا ترضي الله، ولا تتورع عن ارتكاب المخالفات لأوامره وزواجره، الأمر الذي ربما يكون حاجزاً وعائقاً له عن أن يجهر بحاجته أمام الله سبحانه وتعالى فيتوسل للحصول على مطلوبه بإبعاد الشر عن نفسه بما هو اكثر مقبولية ومعقولية بحسب نظره، فيقول: ﴿أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾.

الثاني: إن الإنسان حينما يدعو مع غيره، فإنه سيشعر من خلال ذلك أنه يتحمل مسؤولية تجاه الآخرين، وان التحفظ من الشرور والمخاوف والوساوس يجب أن يكون شاملاً وكاملاً، فلا يستهين بواجبه القاضي بحفظ هذا الكيان العام كله من أن تلوثه الروائح الكريهة، وتبدو عليه التشوهات المشينة.

الثالث: إنه لو قال "ربي" فربما يدور بخلد البعض: أن ذلك لا يعني رفض وجود الأرباب لغير الداعي أما قوله ﴿بِرَبِّ النَّاسِ﴾ فيتضمن نفي الشريك وتوحيد الربوبية وأن لا رب غيره للناس جميعاً، ومن هنا صح أن يتعوذ برب الناس، ويكون هو المبرر للعدول عن نسبة كلمة الرب إلى ياء المتكلم "بربي" لينسبها إلى الناس ﴿بِرَبِّ النَّاسِ﴾.