لماذا استعاذت مريم بالرحمن لا بربها؟

ويرد هنا سؤال، وهو: إن مريم عليها السلام قد استعاذت بالرحمن، ولم تستعذ بربها، فلم تقل: أعوذ بربي منك، بل "قالت: ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ (مريم/18) فلماذا كان ذلك ياترى؟! وفي مقام الإجابة عن ذلك نقول: إن مريم عليها السلام لم تكن تعلم الغيب.. وقد جاءها مخلوق، في مكان و زمان معين، وفي موقع يجعلها تخشى من حالات الاعتداء التي تنشأ من عدم التقوى، ولذا قالت: ﴿.. إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾.

ومن الواضح: أن هذا الشعور يجعلها تعاني من حرج نفسي شديد، لاسيما فيما يرتبط بالأمور الخاصة بها، وهي المرأة الحريصة جداً على طهارتها.. وعفتها، وكرامتها، ودينها وتقواها، حتى قال قومها لها:﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ (مريم/28).

فالتمست المعاذ، وتعوذت بالرحمن، في إلماح مرغب بالتوبة عن أي وسواس شيطاني ربما يكون قد راود هذا المخلوق الغريب، حين يتذكر الله وقدرته، وبطشه، كما يتذكر رأفته ورحمته؛ لكي تستجيب روحه لنداء التقوى، فتكون مريم (ع) قد جمعت بين الترغيب بالرحمة الإلهية، والترهيب من عقاب الله الشديد، الذي يحتاج إلى الحذر، وطلب الوقاية منه. وذلك أبلغ في الردع والمنع، فقالت: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ (مريم/18)، كما أن ذلك يستبطن استعطافها له تعالى لتشملها عنايته من موقع رحمانيته تعالى.