لماذا يعيذ؟

أما بالنسبة للمعيذ، فلابد أن يكون هناك داع له، لكي يبادر إلى العون والعوذ؛ فقد يكون الداعي هو النخوة، والشعور بالكرامة والعزة، حين يستجار به، حتى يعتبر أن الاعتداء على المستجير اعتداء عليه. وقد يكون ذلك لأجل منافع ودوافع ترجع إليه، كالحصول على موقعٍ وامتياز معين. وقد يكون ذلك بدافع أسمى من ذلك، وهو شعوره الإنساني، ورأفته وعطفه. وقد يكون أسمى حتى من ذلك أيضاً، كالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، من أجل نيل رضاه.

لكن إجارة الله سبحانه وتعالى لنا لها طابع خاص، ومنطلق آخر؛ ألا وهو ربوبيته لنا؛ وكونه في موقع الهيمنة والملك، وفي مقام الألوهية، إلا أن ذلك في بعض مراتبه يتوقف على أن يجد فيمن يستعيذ استحقاقا للعون وللعوذ. وهذا الإستحقاق يدعو هذا الإنسان الضعيف المحتاج إلى تربية نفسه وفق المراد، لينال الرضا بوصوله إلى درجة استحقاق العناية والرعاية؛ إذ أن أحداً لا يستعيذ بعدوه، لأن العداوة تمنع عن العون، وعن طلبه. بل هو يستعيذ بمن يحب، ويندفع لمساعدته، ويجد لديه الرغبة بالدفاع عنه، والمحافظة عليه.

وإذا كانت الاستعاذة بالله، فإن هذا الأمر يستدعي أن يجعل الإنسان نفسه في وضع مقبول عند الله سبحانه وتعالى ومرضي عنده؛ لأن من يبارز الله سبحانه وتعالى، ويحاربه ويسخطه، كيف يتوقع من الله سبحانه وتعالى أن يحفظه، وأن يجيره، ويعيذه؟! فالاستعاذة هي إذن، أسلوب تربوي، يدعو الإنسان إلى تربية نفسه، وتصفيتها، وتهذيبها، إلى أن يحرز الإنسان كمالات تتوافق مع رغبات ورضى الله سبحانه، ليستحق منه العون والعوذ حين يستعيذ به.