من هو المخاطب بكلمة: ﴿قُلْ﴾

ويرد هنا سؤال، هو: هل الخطاب بكلمة: ﴿قُلْ﴾ موجه لخصوص رسول الله (ص)، أو لكل إنسان؟! والجواب: أن الخطاب في بعض الموارد خاص بالنبي (ص)، مثل قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ وقوله تعالى: ﴿قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ﴾، وفي بعض الموارد ليس كذلك، مثل قوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ..﴾ إلى أن يقول: ﴿مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ..﴾ فإنه (ص) أعظم وأكمل إنسان، وهو مورد العناية الإلهية بصورة قاطعة، وليس للوسواس الخناس من الجنّة والناس سبيل عليه، فلا مورد لأن يستعيذ (ص) منه استعاذة حقيقية بحيث تستبطن أن لإبليس طريقاً عليه.

نعم قد يكون لإستعاذته (ص) الدائمة وتحصنه بالله، أثر في تأكيد كمالاته، ورفعة مقامه (ص) وهذا يعني: أن يكون الخطاب للإنسان العاقـل الملتفت إلى المخاطر التي تحيط به. لتكون الإستعاذة بذلك حصناً له من كل سوء شيطاني.

وحتى لو سلمنا: أن المخاطب في هذه السورة بكلمة : )﴿قُلْ﴾ هو رسول الله (ص)، فإننا إذا أخذنا ما ذكرناه آنفاً بنظر الاعتبار، فإن الأمـر أيضاً لا يخرج عن السياق المتعارف في الخطابات التي يقصد بها إظهار المزيد من الاهتمام والتحضيض على هذا الأمر الخطير؛ على قاعدة: اياك أعني واسمعي يا جارة. فإنه إذا كان الله يأمر نبيه، الذي لا سبيل لشياطين الجن والإنس عليه، بأن يجهر بالتعوذ، ولا يكتفي باستشعار ذلك في القلب والروح ؛ بل لابد أن يكون ذلك حالة نفسية، وفكرية، وعقلية، ومشاعرية، وقولية لديه. فإن الأمر يصبح بالنسبة لغيره أوضح وأصرح وأبين.

فكلمة: ﴿قُلْ﴾ وإن كانت في الظاهر خطاباً للنبي (ص) لكنها في الحقيقة خطاب لنا. وهذا أبلغ في البيان، وادعى في الالتزام، ما دام الله لا يريد لنا أن يقتصر تعوّذنا به تعالى على كونه مجرد حالة نفسية، بل يريد أن يظهر على الجوارح بالقول والممارسة، ليصبح هذا الأمر -من ثم- من وسائل الوصول إلى الله، والحصول على رضاه (سبحانه وتعالى) ومن ثم التحلي بالكمالات.