مقدمة الناشر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين، فقد روي عن علي أمير المؤمنين في وصف القرآن أنه نور لا تطفأ مصابيحه وسراج لا يخبو توقده. وقد إهتم العلماء المسلمون بالعلوم القرآنية إهتماماً بالغاً؛ لكونه ينبوع المعرفة الصالحة والحجة في هذا الدين الحنيف.

ولا شك أن لعلم التفسير أصولاً وأسساً ومناهج ينبغي مراعاتها. ورغم وجود عدد من التفاسير الهامة في المكتبة الإسلامية، إلا أنه يمكن ملاحظة غياب ذلك التفسير الذي يسعى لإستنطاق الآية كلمة كلمة بل حرفاً حرفاً، والغوص في دلالاتها ومعانيها، ومقارنة هذه الدلالات مع السياق القرآني العام، دون أن يغيب عن النظر أسباب النزول.

فالقرآن نزل بلغة عربية ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (يوسف/2)، وهو كتاب الله الذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصلت/42)، ولا شك أن اللغو هو من ذلك الباطل المنزه عنه، ومن هنا، ومع وجود الكم الهائل من المفردات والإشتقاقات التي تتمتع بها اللغة العربية، يمكن القول إن هناك عناية خاصة في إختيار المفردات القرآنية وترجيحها على غيرها من المفردات الأخرى، وذلك يكمن فيما يمكن أن تختزنه هذه المفردة من دلالات ومعاني ومفاهيم وعبر يريد الله لنا أن نلتفت إليها قد لا تدل عليها مفردة أخرى.

من هنا قلنا إنه لابد في التفسير القرآني من استنطاق القرآن بكل مفرداته، مع التأكيد على مراعاة السياق العام ودلالاته أيضاً دون الغفلة عن أسباب النزول، والأهم من ذلك كله تتبع كلمات أهل البيت (ع) ليأخذوا بأيدينا في فهم كتاب الله، فإنهم القرآن الناطق وهم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومعدن الوحي والتنزيل، وهذا المنهج في التفسير والذي قد يروق لنا تسميته بـ (المنهج الإستنطاقي في تفسير القرآن الكريم)، هو ما دأب العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي (حفظه الله) على ترسيخه والتركيز عليه، والذي سيبدو ظاهراً وواضحاً عند مطالعة هذه الدروس.

إن هذه السلسلة المسماة (دروس في تفسير القرآن) تمثل مجموعة أفكار وإلتفاتات يقدمها سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي (أعـزه الله)، في جلسته الأسبوعية المخصصة لتفسير القرآن الكريم في إطار المنهج الذي تحدثنا عنه، وهي في الأصل تسجل على أشرطة تسجيل، حيث يتصدى أحد الأخوة لإستخراجها تباعاً والإهتمام بها.

وقد إرتأى المركز الإسلامي للدراسات ضرورة نشرها تعميماً للفائدة. حيث تعرض على سماحة العلامة المحقق الذي يجري عليها بعض التعديلات اللفظية لتخرج في سياق أكثر تماسكاً دون إجراء تعديلات جوهرية وجذرية سواء من ناحية المضمون أو المنهج وإن حذف منها ما لا حاجة إليه كبعض الإستطرادات. وذلك بهدف عدم تغييب - على تعبير العلامة المحقق - مسحة الخطاب العفوي عنها. والله الموفق وهو من وراء القصد.

المركز الإسلامي للدراسات