الآيات 99-100
وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴿99﴾ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴿100﴾
القراءة:
قرأ ونجعل بالنون حماد ويحيى عن أبي بكر والباقون بالياء.
الحجة:
من قرأ بالنون فإنه ابتداء بالإخبار عن الله ومن قرأ بالياء فلأنه تقدم ذكر الله تعالى فكني عنه.
اللغة:
المشيئة والإرادة والإيثار والاختيار نظائر وإنما يختلف عليها الاسم بحسب مواقعها على ما بين في موضعه قال علي بن عيسى النفس خاصة الشيء التي لو بطل ما سواها لم يبطل ذلك الشيء ونفسه وذاته واحد إلا أنه قد يؤكد بالذات والنفس مأخوذة من النفاسة.
الإعراب:
كلهم تأكيد لمن وجميعا نصب على الحال.
المعنى:
لما تقدم أن إيمان الملجأ غير نافع بين سبحانه أن ذلك لو كان ينفع لأكره أهل الأرض عليه فقال ﴿ولو شاء ربك﴾ يا محمد ﴿لآمن من في الأرض﴾ أي لآمن أهل الأرض ﴿كلهم جميعا﴾ ومعناه الإخبار عن قدرة الله تعالى وأنه يقدر على أن يكره الخلق على الإيمان كما قال إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ولذلك قال بعد ذلك ﴿أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾ ومعناه أن لا ينبغي أن تريد إكراههم على الإيمان مع أنك لا تقدر عليه لأن الله تعالى يقدر عليه ولا يريده لأنه ينافي التكليف وأراد بذلك تسلية النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتخفيف ما يلحقه من التحسر والحرص على إيمانهم عنه وفي هذا أيضا دلالة على بطلان قول المجبرة أنه تعالى لم يزل كان شائيا ولأنه لا يوصف بالقدرة على أن يشاء لأنه تعالى أخبر أنه لو شاء لقدر لكنه لم يشأ فلذلك لم يوجد ولو كانت مشيئة أزلية لم يصح تعليقها بالشرط فصح أن مشيئته فعلية ألا ترى أنه لا يصح أن يقال لو علم سبحانه ولو قدر كما صح أن يقال لو شاء ولو أراد ﴿وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله﴾ معناه أنه لا يمكن أحد أن يؤمن إلا بإطلاق الله تعالى له في الإيمان وتمكينه منه ودعائه إليه بما خلق فيه من العقل الموجب لذلك وقيل إن إذنه هاهنا أمره كما قال يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم ف آمنوا خيرا لكم عن الحسن والجبائي وحقيقة الإذن إطلاقه في الفعل بالأمر وقد يكون الأذن بالإطلاق في الفعل برفع التبعة وقيل إن إذنه هنا علمه أي لا تؤمن نفس إلا بعلم الله من قولهم أذنت لكذا إذا سمعته وعلمته وأذنته أعلمته فيكون خيرا من علمه سبحانه لجميع الكائنات ويجوز أن يكون بمعنى إعلام الله المكلفين بفضل الإيمان وما يدعوهم إلى فعله ويبعثهم عليه ﴿ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون﴾ معناه ويجعل العذاب على الذين لا يتفكرون حتى يعقلوا فكأنهم لا عقول لهم عن قتادة وابن زيد وقيل معناه ويجعل الكفر عليهم أي يحكم عليهم بالكفر ويذمهم عليه عن الحسن وقيل الرجس الغضب والسخط عن ابن عباس وقال الكسائي الرجس النتن والرجز والرجس واحد قال أبو علي وكان الرجس على ضربين (أحدهما) أن يكون في معنى العذاب (والآخر) أن يكون بمعنى القذر والنجس أي يحكم بأنهم رجس كما قال سبحانه إنما المشركون نجس.