الآيات 35-37

مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ﴿35﴾ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ ﴿36﴾ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ العلمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ ﴿37﴾

اللغة:

الأنهار جمع نهر ونهر كفرد وأفراد وجمل وأجمال والنهر المجرى الواسع من مجاري الماء على وجه الأرض وأصله الاتساع ومنه النهار لاتساع الضياء فيه وأنهرت الدماء وسعت مجراها وقال:

ملكت بها كفي فأنهرت فتقها

أي وسعته والأكل بضم الهمزة المأكول والأحزاب جمع الحزب وهم الجماعة التي تقوم بالنائبة يقال تحزب القوم إذا صاروا حزبا وحزبهم الأمر يحزبهم أي نالهم بمكروه.

الإعراب:

﴿مثل الجنة التي﴾ فيه أقوال (أحدها) أنه بمعنى الشبه وخبره محذوف وتقديره مثل الجنة التي هي كذا أجل مثل (والثاني) أن تقديره فيما نقص عليكم مثل الجنة أو مثل الجنة فيما نقص عليكم فهو مرفوع أيضا على الابتداء وخبره محذوف وهو قول سيبويه واختاره أبو علي الفارسي (والثالث) إن معناه صفة الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار فتجري من تحتها الأنهار مع ما بعده خبر المبتدأ الذي هو مثل الجنة قالوا وقوله سبحانه ﴿ولله المثل الأعلى﴾ معناه الصفة العليا ولم يرتض أبو علي هذا القول.

المعنى:

لما تقدم ذكر ما أعد الله للكافرين عقبه سبحانه بذكر ما أعده للمؤمنين فقال ﴿مثل الجنة التي وعد المتقون﴾ أي شبهها عن مقاتل وقيل صفتها وصورتها عن الحسن قال ابن قتيبة المثل الشبه في أصل اللغة ثم قد يصير بمعنى صورة الشيء وصفته يقال مثلت لك كذا أي صورته ووصفته وقيل إن مثل مقحم والتقدير الجنة التي وعد المتقون ﴿تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم﴾ يعني أن ثمارها لا تنقطع كثمار الدنيا وظلها لا يزول ولا تنسخه الشمس عن الحسن وقيل معناه نعيمها لا ينقطع بموت ولا آفة عن ابن عباس وقيل لذتها في الأفواه باقية عن إبراهيم التيمي ﴿وظلها﴾ أيضا دائم لا يكون مرة شمسا ومرة ظلا كما يكون في الدنيا ﴿تلك عقبى الذين اتقوا﴾ أي تلك الجنة عاقبة المتقين فالطريق إليها التقوى ﴿وعقبى الكافرين النار﴾ أي وعاقبة أمر الكفار النار ولما تقدم ذكر الوعد والوعيد أخبر سبحانه عن المتقين والكافرين فقال ﴿والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك﴾ يريد أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذين آمنوا به وصدقوه أعطوا القرآن وفرحوا بإنزاله ﴿ومن الأحزاب من ينكر بعضه﴾ يعني اليهود والنصارى والمجوس أنكروا بعض معانيه وما يخالف أحكامهم عن الحسن وقتادة ومجاهد وقيل الذين آتيناهم الكتاب هم الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه فرحوا بالقرآن لأنهم يصدقون به والأحزاب بقية أهل الكتاب وسائر المشركين عن ابن عباس قال لأن عبد الله بن سلام وأصحابه أساءهم قلة ذكر الرحمن في القرآن مع كثرة ذكره في التوراة فأنزل الله ﴿قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن﴾ ففرحوا بذلك وكفر المشركون بالرحمن وقالوا ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة ويريد بالأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالمعاداة ومن ينكر بعضه يعني ذكر الرحمن وهو قوله ﴿وهم يكفرون بالرحمن﴾ ﴿قل﴾ يا محمد ﴿إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به﴾ أي أمرت أن أوجه عبادتي إلى الله ولا أشرك به في عبادته أحدا ﴿إليه أدعوا﴾ يعني إلى الله أو إلى الإقرار بتوحيده وصفاته وتوجيه العبادة إليه وحده أدعو ﴿وإليه مآب﴾ أي إليه مرجعي ومصيري أي أرجع وأصير إلى حيث لا يملك الضر والنفع إلا هو وحده فإنه لا يملك يوم القيامة الأمر أحدا من عباده كما ملكهم في الدنيا ﴿وكذلك أنزلناه حكما عربيا﴾ أي كما أنزلنا الكتب إلى من تقدم من الأنبياء بلسانهم أنزلنا إليك حكمه عربية أي جارية على مذاهب العرب في كلامهم يعني القرآن فالحكم هاهنا بمعنى الحكمة كما في قوله ﴿وآتيناه الحكم صبيا﴾ وقيل إنما سماه حكما لما فيه من الأحكام في بيان الحلال والحرام وسماه عربيا لأنه أتى به نبي عربي ﴿ولئن اتبعت أهواءهم﴾ خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد به الأمة أي لئن واقفت وطلبت أهواء الذين كفروا والأهواء جمع الهوى وهو ميل الطباع إلى شيء بالشهوة ﴿بعد ما جاءك من العلم﴾ بالله تعالى لأن ما آتيناك من الدلالات والمعجزات موجب للعلم الذي يزول معه الشبهات ﴿ما لك من الله من ولي﴾ أي ناصر يعينك عليه ويمنعك من عذابه ﴿ولا واق﴾ يقيك منه ﴿من ولي﴾ في موضع رفع ومن مزيدة.