الآيات 73-84

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ﴿73﴾ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ﴿74﴾ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ﴿75﴾ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ ﴿76﴾ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ ﴿77﴾ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ ﴿78﴾ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ ﴿79﴾ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ ﴿80﴾ وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴿81﴾ وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ ﴿82﴾ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ ﴿83﴾ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴿84﴾

القراءة:

قرأ جميع القراء ﴿الأيكة﴾ هاهنا لأنها مكتوبة بالألف إلا ورشا عن نافع فإنه يترك الهمزة ويرد حركتها إلى اللام.

الحجة:

إذا خففت الهمزة في الأيكة وقد ألحقتها الألف واللام حذفتها وألقيت حركتها على اللام ويجوز فيه إذا استأنف لغتان فمن قال الحمر قال اليكة ومن قال الحمر قال ليكة.

اللغة:

الأيكة الشجر الملتف وجمعها أيك مثل شجرة وشجر قال أمية:

كبكا الحمام على فروع الأيك في الطير الجوانح

وقيل الأيكة الغيضة والمتوسم الناظر في السمة الدالة وهي العلامة ويقال وسمت الشيء وسما إذا أثرت فيه بسمة ومنه الوسمي أول المطر لأنه يسم الأرض بالنبات وتوسم الرجل طلب كلأ الوسمي قال:

وأصبحن كالدوم النواعم غدوة

على وجهة من طاعن متوسم وتوسم فيه الخبر إذا عرف سمة ذلك فيه والإمام الطريق والإمام المبين اللوح المحفوظ والإمام في اللغة هو المتقدم الذي يتبعه من بعده الحجر أخذ من الحجر الذي هو المنع ومنه سمي العقل حجرا لأنه يمنع من القبائح.

الإعراب:

انتصب قوله ﴿مشرقين﴾ و﴿مصبحين﴾ على الحال يقال أشرقوا وهم مشرقون إذا صادفوا شروق الشمس وهو طلوعها كما يقال أصبحوا إذا صادفوا الصبح فمعنى مشرقين مصادفين لطلوع الشمس وإن في قوله ﴿وإن كان أصحاب الأيكة﴾ مخففة من الثقيلة آمنين منصوب على الحال.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن كيفية عذاب قوم لوط فقال ﴿فأخذتهم الصيحة مشرقين﴾ أي أخذهم الصوت الهائل في حال شروق الشمس ﴿فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل﴾ مضى تفسيره في سورة هود ﴿إن في ذلك لآيات للمتوسمين﴾ معناه إن فيما سبق ذكره من إهلاك قوم لوط لدلالات للمتفكرين المعتبرين عن قتادة وابن زيد وقيل للمتفرسين عن مجاهد وقد صح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله وقال إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم ثم قرأ هذه الآية وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم والسبيل طريق الجنة ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره ﴿وإنها لبسبيل مقيم﴾ معناه إن مدينة لوط لبطريق مسلوك يسلكها الناس في حوائجهم فينظرون إلى آثارها ويعتبرون بها لأن الآثار التي يستدل بها مقيمة ثابتة بها وهي مدينة سدوم وقال قتادة إن قرى قوم لوط بين المدينة والشام ﴿إن في ذلك لآية﴾ أي عبرة ودلالة ﴿للمؤمنين﴾ وخص المؤمنين لأنهم هم الذين انتفعوا بها ﴿وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين﴾ وأصحاب الأيكة هم أهل الشجر الذين أرسل إليهم شعيب (عليه السلام) وأرسل إلى أهل مدين فأهلكوا بالصيحة وأما أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلة التي احترقوا بنارها عن قتادة وجماعة من المفسرين ومعنى الآية أنه كان أصحاب الأيكة لظالمين في تكذيب رسولهم وكانوا أصحاب غياض فعاقبهم الله تعالى بالحر سبعة أيام ثم أنشأ سبحانه سحابة فاستظلوا بها يلتمسون الروح فيها فلما اجتمعوا تحتها أرسل منها صاعقة فأحرقتهم جميعا ﴿فانتقمنا منهم﴾ أي من قوم شعيب ومن قوم لوط أي عذبناهم بما انتقمناه منهم والانتقام هو المجازاة على جناية سابقة وفرق علي بن عيسى بين الانتقام والعقاب بأن الانتقام هو نقيض الإنعام والعقاب هو نقيض الثواب ﴿وإنهما لبإمام مبين﴾ معناه وإن مدينتي قوم لوط وأصحاب الأيكة بطريق يؤم ويتبع ويهتدي به عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وسمي الطريق إماما لأن الإنسان يؤمه وقيل معناه وإن حديث مدينتيهما لمكتوب مذكور في اللوح المحفوظ أو حديث لوط وحديث شعيب عن الجبائي فيكون نظير قوله ﴿وكل شيء أحصيناه في إمام مبين﴾ والمبين الظاهر ثم أخبر سبحانه عن إهلاك قوم صالح فقال ﴿ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين﴾ والحجر اسم البلد الذي كان فيه ثمود وإنما سموا أصحاب الحجر لأنهم كانوا سكانه كما يسمى الأعراب الذين يسكنون البوادي أصحاب الصحاري لأنهم كانوا يسكنونها وقيل إن الحجر اسم لواد كان يسكنها هؤلاء عن قتادة وإنما قال تعالى ﴿المرسلين﴾ لأن في تكذيب صالح تكذيب المرسلين لأنه كان يدعوهم إلى ما دعا إليه المرسلون وإلى الإيمان بالمرسلين فكان في تكذيب أحدهم تكذيب الجميع وقيل بعث الله إليهم رسلا منهم صالح عن الجبائي ﴿وآتيناهم آياتنا﴾ أي آتينا أصحاب الحجر الحجج والمعجزات والدلالات الدالة على صدق الأنبياء وقيل آتينا الرسل الآيات عن الحسن ﴿فكانوا عنها﴾ أي عن الآيات ﴿معرضين﴾ أعرضوا عن التفكر فيها والاستدلال بها ﴿وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين﴾ أي وكان قوم صالح في القوة بحيث ينحتون من الجبال بيوتا يسكنونها وكانوا آمنين من خرابها وسقوطها عليهم وقيل كانوا آمنين من عذاب الله وقيل آمنين من الموت لطول أعمارهم ﴿فأخذتهم الصيحة مصبحين﴾ أي فأهلكوا بالصيحة في وقت دخولهم في الصباح ﴿فما أغنى عنهم﴾ أي فما دفع عنهم العذاب ولم يغنهم ﴿ما كانوا يكسبون﴾ أي يجمعون من المال والأولاد وأنواع الملاذ.