الآيات 61-72

قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴿62﴾ قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴿63﴾ وَأَتَيْنَاكَ بَالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴿64﴾ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ﴿65﴾ وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ ﴿66﴾ وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ ﴿67﴾ قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ ﴿68﴾ وَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ ﴿69﴾ قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴿70﴾ قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴿71﴾ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿72﴾

اللغة:

الإسراء سير الليل يقال سرى يسري سرى وأسرى إسراء لغتان قال امرؤ القيس :

سريت بهم حتى تكل مطيهم وحتى الجياد ما يقدن بإرسان والقطع كأنه جمع قطعة مثل يسرة ويسر وتمرة وتمر والاتباع اقتفاء الأثر والاتباع في المذهب والاقتداء بمعنى وخلافه الابتداع والأدبار جمع دبر هو جهة الخلف والقبل جهة القدام وقد يكنى بهما عن الفرج والدابر الأصل وقيل إن الدابر الآخر وعقب الرجل دابره والعمر والعمر واحد غير أنه لا يجوز في القسم إلا بالفتح لأن الفتح أخف عليهم وهم يكثرون القسم بلعمري ولعمرك فلزموا الأخف.

الإعراب:

﴿أن دابر هؤلاء مقطوع﴾ موضع أن نصب بأنه بدل من ذلك الأمر لأنه تفسيره ويجوز أن يكون نصبا على حذف الجار فكأنه قال وقضينا إليه بأن دابرهم مقطوع وقوله ﴿مصبحين﴾ نصب على الحال و﴿يستبشرون﴾ أيضا في موضع نصب على الحال لعمرك مرفوع على الابتداء وخبره محذوف والتقدير لعمرك قسمي أو لعمرك ما أقسم به ولا يستعمل إظهار هذا الخبر قال الزجاج إن باب القسم يحذف معه الفعل تقول والله لأفعلن وبالله لأفعلن والمعنى أحلف بالله فحذف الفعل للعلم به فكذلك حذف خبر الابتداء لدلالة الكلام عليه.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه أن الملائكة لما خرجوا من عند إبراهيم (عليه السلام) أتوا لوطا (عليه السلام) يبشرونه بهلاك قومه فقال ﴿فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون﴾ وإنما قال لهم لوط ذلك لأنهم جاءوه على صفة المرد على هيئة وجمال لم ير مثلهم قط فأنكر شأنهم وهيأتهم وقيل إنه أراد إني أنكركم فعرفوني أنفسكم ليطمئن قلبي ﴿قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون﴾ أي بالعذاب الذي كانوا يشكون فيه إذا خوفتهم به ﴿وأتيناك بالحق﴾ أي بالعذاب المستيقن به ﴿وإنا لصادقون﴾ فيما أخبرناك به وقيل معناه وأتيناك بأمر الله تعالى ولا شك أن أمره سبحانه حق ﴿فأسر بأهلك بقطع من الليل﴾ ومعناه سر بأهلك بعد ما يمضي أكثر الليل ويبقى قطعة منه ﴿واتبع أدبارهم﴾ أي اقتف أثرهم وكن وراءهم لتكون عينا عليهم فلا يتخلف أحد منهم ﴿ولا يلتفت منكم أحد﴾ أي لا يلتفت أحد منكم إلى ما خلف وراءه في المدينة وهذا كما يقول القائل امض لشأنك ولا تعرج على شيء وقيل لا ينظر أحد منكم وراءه لئلا يروا العذاب فيفزعوا ولا يحتمل قلبهم ذلك عن الحسن وأبي مسلم ﴿وامضوا حيث تؤمرون﴾ أي اذهبوا إلى الموضع الذي أمركم الله بالذهاب إليه وهو الشام عن السدي ﴿وقضينا إليه ذلك الأمر﴾ أي أعلمنا لوطا وأخبرناه وأوحينا إليه ما ننزل به من العذاب ﴿أن دابر هؤلاء مقطوع﴾ يعني أن آخر من يبقى منهم يهلك وقت الصبح وهو قوله ﴿مصبحين﴾ أي داخلين في وقت الصبح والمراد أنهم مستأصلون بالعذاب وقت الصباح على وجه لا يبقى منهم أثر ولا نسل ولا عقب ﴿وجاء أهل المدينة يستبشرون﴾ يبشر بعضهم بعضا بنزول من هو في صورة الأضياف بلوط وإنما فرحوا طمعا في أن ينالوا الفجور منهم ﴿قال﴾ لوط لهم ﴿إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون﴾ فيهم والفضيحة إلزام العار والشنار بالإنسان ومعناه لا تلزموني فيهم عارا بقصدكم إياهم بالسوء ﴿واتقوا الله﴾ باجتناب معاصيه ﴿ولا تخزون﴾ في ضيفي والخزي الانقماع بالعيب الذي يستحيي منه ﴿قالوا أولم ننهك عن العالمين﴾ معناه أولم ننهك أن تجير أحدا أو تضيف أحدا قال الجبائي وهذا القول إنما كان من لوط لقومه قبل أن يعلم إنهم ملائكة بعثوا لإهلاك قومه وإنما ذكر مؤخرا وهو في المعنى مقدم كما ذكر في غير هذه السورة ﴿قال﴾ لوط لهم وأشار إلى بناته لصلبه ﴿هؤلاء بناتي﴾ فتزوجوهن إن كان لكم رغبة في التزويج عن ابن عباس والحسن وقتادة وقوله ﴿إن كنتم فاعلين﴾ كناية عن النكاح إن كنتم متزوجين قيل وإنما قال ذلك للرؤساء الذين يكفون الاتباع وقد كان يجوز تزويج المؤمنة من الكافر يومئذ وقد كان ذلك أيضا جائزا في صدر شريعتنا ثم حرم عن الحسن والجبائي وقيل إنهن كن بنات قومه عرضهن عليهم بالتزويج والاستغناء بهن عن الذكران والأول أوضح ﴿لعمرك﴾ أي وحياتك يا محمد ومدة بقائك حيا وقال المبرد هو دعاء ومعناه أسأل الله عمرك قال ابن عباس ما خلق الله عز وجل ولا ذرأ ولا برأ نفسا أكرم عليه من محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وما سمعت الله أقسم بحياة أحد إلا بحياته فقال لعمرك ﴿إنهم لفي سكرتهم يعمهون﴾ ومعناه إنهم لفي غفلتهم يتحيرون ويترددون فلا يبصرون طريق الرشد.