الآيات 51-60

وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِ بْراَهِيمَ ﴿51﴾ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ ﴿52﴾ قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ﴿53﴾ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ﴿54﴾ قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ ﴿55﴾ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ ﴿56﴾ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ﴿57﴾ قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ ﴿58﴾ إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿59﴾ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ ﴿60﴾ فَلَمَّا جَاء آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ ﴿60﴾

القراءة:

قرأ نافع وحده فبم تبشرون خفيفة النون مكسورة وقرأ ابن كثير وحده فبم تبشرون مشددة النون مكسورة وقرأ الباقون ﴿تبشرون﴾ مفتوحة النون خفيفة وروى أبو علي الضرير عن روح وغيره عن يعقوب فبم تبشروني بإثبات الياء وقرأ أبو عمرو والكسائي يقنط ويقنطوا بكسر النون حيث كان والباقون بفتح النون وقرأ لمنجوهم خفيفة أهل الكوفة غير عاصم ويعقوب والباقون بالتشديد وقرأ قدرنا بالتخفيف أبو بكر عن عاصم وكذلك في النمل والباقون بالتشديد.

الحجة:

قال أبو علي الوجه في قراءة نافع أنه أراد تبشرونني إلا أنه حذف النون الثانية استثقالا لأن التكرير بها وقع ولم يحذف النون الأولى التي هي علامة الرفع وقد حذفوا هذه النون في كلامهم لأنها زائدة ولأن علامة الضمير الياء من دونها قال:

أبالموت الذي لا بد إني

ملاق لا أباك تخوفيني وقال:

تراه كالثغام يعل مسكا

يسوء الفاليات إذا فليني والوجه في تشديد ابن كثير النون أنه أدغم النون الأولى التي هي علامة الرفع في الثانية المتصلة بالياء التي هي المضمر المنصوب المتكلم ومن فتح النون فلأنه لم يعد الفعل إلى المفعول به كما عدى غيره وحذف المفعول به كثير والنون علامة الرفع وقنط يقنط وقنط يقنط لغتان وكان قنط يقنط أعلى ويدل على ذلك إجماعهم في قوله قنطوا وحكي أن يقنط لغة وهذا يدل على أن يقنط أكثر لأن مضارع فعل يجيء على يفعل ويفعل وحجة من قرأ ﴿لمنجوهم﴾ قوله نجينا هودا والذين آمنوا وحجة من قرأ بالتخفيف قوله فأنجاه الله من النار وقدرت بالتخفيف لغة في قدرت يدل على ذلك قول الهذلي:

ومفرهة عنس قدرت لساقها

فخرت كما تتايع الريح بالقفل

والمعنى قدرت ضربتي لساقها فضربتها فحذف لدلالة الكلام عليه فمن قرأ قدرنا مخففا كان في معنى التشديد.

اللغة:

الضيف هو المنضوي إلى غيره لطلب القرى وهو يقع على الواحد والاثنين والجمع لأنه في الأصل مصدر وصف به وقد يجمع بالأضياف والضيوف والضيفان والوجل الخوف يقال وجل يوجل ويأجل وييجل وييجل إذا خاف والخطب الأمر الجليل ومنه الخطبة والخطبة والمجرم المنقطع عن الحق إلى الباطل وهو القاطع لنفسه عن المحاسن إلى القبائح والغابر الباقي فيمن يهلك قال الشاعر:

فما ونى محمد مذ أن غفر

له الإله ما مضى وما غبر.

الإعراب:

سلاما منصوب على المصدر كأنهم قالوا سلمنا إلا آل لوط قال الزجاج هو استثناء ليس من الأول وقوله ﴿إلا امرأته﴾ استثناء من الهاء والميم في قوله ﴿إنا لمنجوهم﴾ وقوله ﴿قدرنا إنها لمن الغابرين﴾ في معنى علمنا أنها لمن الغابرين قال أبو عبيدة في الآية معنى فقهي كان أبو يوسف يتأوله فيها وهو أن الله استثنى آل لوط من المجرمين ثم استثنى امرأة لوط من آل لوط فرجعت امرأته في التأويل إلى القوم المجرمين وكذلك كل استثناء في الكلام إذا جاء بعد استثناء آخر دعا المعنى إلى أول الكلام كقول الرجل لفلان علي عشرة دراهم إلا أربعة إلا درهما فإنه يكون إقرارا بسبعة وكذلك لو قال له علي خمسة إلا درهما إلا ثلثا كان إقرارا بأربعة وثلث.

المعنى:

لما ذكر سبحانه الوعد والوعيد عقبه بذكر قصة إبراهيم (عليه السلام) وقوم لوط مصدقا لما ذكره وإرشادا إلى الدلالة بالعاجل على الآجل فقال ﴿ونبئهم عن ضيف إبراهيم﴾ أي وأخبرهم عن أضياف إبراهيم ﴿إذ دخلوا عليه﴾ يعني الملائكة وإنما سماهم ضيفا لأنهم جاءوه في صورة الأضياف ﴿فقالوا سلاما﴾ أي سلموا عليه سلاما على وجه الدعاء والتحية وبشروه بالولد وبإهلاك قوم لوط ﴿قال﴾ إبراهيم ﴿إنا منكم وجلون﴾ أي خائفون ﴿قالوا لا توجل﴾ أي لا تخف ﴿إنا نبشرك﴾ أي نخبرك بما يسرك ﴿بغلام عليم﴾ أي بولد يكون غلاما إذا ولد ويكون عليما إذا بلغ ﴿قال﴾ إبراهيم ﴿أ بشرتموني﴾ بالمولود ﴿على أن مسني الكبر﴾ أي في حال الكبر الذي يوجب اليأس عن الولد ﴿فبم تبشرون﴾ أ بأمر الله تعالى فأثق به أم من جهة أنفسكم ومعنى مسني الكبر غيرني الكبر عن حال الشباب الذي يطمع في الولد إلى حال الهرم وقيل معناه عن رأس الكبر ﴿قالوا بشرناك بالحق﴾ أي قالت الملائكة لإبراهيم إنا بشرناك بذلك على وجه الحقيقة بأمر الله ﴿فلا تكن من القانطين﴾ أي اليائسين فأجابهم إبراهيم (عليه السلام) بأن ﴿قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون﴾ أي ومن الذي ييأس من رحمة الله وحسن إنعامه إلا العادلون عن الحق الضالون عن طريق الهدى الجاهلون بقدرته على خلق الولد من الشيخ الكبير وهذا القول من إبراهيم (عليه السلام) يدل على أنه لم يكن قانطا ولكنه استبعد ذلك فظنت الملائكة قنوطا فنفى ذلك عن نفسه ﴿قال﴾ إبراهيم (عليه السلام) بعد ذلك للملائكة ﴿فما خطبكم أيها المرسلون﴾ أي ما الأمر الجليل الذي بعثتم له وما شأنكم وسماهم مرسلين لما علم أنهم ملائكة ﴿قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين﴾ أي مذنبين وقيل كافرين أخبروه بهلاكهم واقتصروا على هذا لأن من المعلوم أن الملائكة إنما يرسلون إلى المجرمين للهلاك ﴿إلا آل لوط﴾ استثنى منهم آل لوط وهم خاصته وعشيرته وإنما استثناهم منهم وإن لم يكونوا مجرمين من حيث كانوا من قوم لوط وممن بعث إليهم وقيل إن معناه لكن آل لوط ﴿إنا لمنجوهم أجمعين﴾ أي نخلصهم أجمعين من العذاب ﴿إلا امرأته﴾ استثنى امرأة لوط من آل لوط لأنها كانت كافرة ﴿قدرنا إنها لمن الغابرين﴾ أي من الباقين في المدينة مع المهلكين أي قضينا أنها تهلك كما يهلكون.