الآيات 17-18

وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا ﴿17﴾ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ﴿18﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر ويعقوب تزور بتشديد الزاي وقرأ أهل الكوفة ﴿تزاور﴾ بالتخفيف والباقون تزاور بتشديد الزاي وقرأ أهل الحجاز لملئت بالتشديد والباقون بالتخفيف وفي الشواذ قراءة الجحدري تزوار وقراءة الحسن وتقلبهم بفتح التاء والقاف والباء وضم اللام.

الحجة:

من قرأ تزاور فإنه تتزاور فأدغم التاء في الزاي ومن قرأ ﴿تزاور﴾ حذف الثانية وخفف الكلمة بالحذف كما حذف أولئك بالإدغام ومن قرأ تزور فقد قال أبو الحسن: لا معنى له في هذا الموضع إنما يقال هو مزور عني أي منقبض عني يدل عليه قول عنترة:

فأزور من وقع القنا بلبانه

وشكا إلي بعبرة وتحمحم

قال أبو علي والذي حسن القراءة به قول جرير:

عسفن عن الأداعس من مهيل

وفي الأظعان عن طلح أزورار

فظاهر استعمال هذا في الأظعان مثل استعماله في الشمس وتزاور على وزن تفاعل وتزوار على وزن تفعال من الازويرار وقوله لملئت منهم بالتشديد للتكثير قال أبو الحسن: الخفيفة أجود لا يكادون يقولون ملأ مني رعبا وإنما يقولون ملأتني رعبا قال أبو علي: يدل على قول أبي الحسن قول امرى‏ء القيس:

فتملا بيتنا أقطا وسمنا

وقول الأعشى:

وقد ملئت بكر ومن لف لفها

وأنشدوا في التثقيل قول المخبل السعدي:

فملأ من كعب بن عوف سلاسله

ومن قرأ وتقلبهم فإنه نصبه بفعل مضمر دل عليه ما قبله فكأنه قال وترى أو تشاهد تقلبهم.

اللغة:

القرض القطع يقال قرضت الموضع إذا قطعته وجاوزته قال الكسائي: هو المجازاة يقال قرضني فلان يقرضني وجذاني يجذوني بمعنى قال ذو الرمة:

إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف

شمالا وعن أيمانهن الفوارس

ويستعمل القرض في أشياء غير هذا منه القطع للثوب وغيره ومنه المقراض ومنه قرض الفأر قال أبو الدرداء:

إن قارضتهم قارضوك

وإن تركتهم لم يتركوك

يعني إن طعنت فيهم وعبتهم فعلوا بك مثله وإن تركتهم من ذلك لم يتركوك والقراض بلغة الحجاز المضاربة والقرض هو قول الشعر القصيدة منه خاصة دون الرجز ومنه قيل للشعر القريض قال الأغلب العجلي:

أرجزا تريد أم قريضا والفجوة المتسع من الأرض وجمعه فجوات وفجاء ممدود وفجوة الدار ساحتها والأيقاظ جمع يقظ ويقظان قال الراجز:

ووجدوا إخوتهم أيقاظا

والرقود جمع راقد ورقد يرقد رقادا ورقودا والوصيد من أوصدت الباب أي أغلقته وجمعه وصائد ويقال وصيد وأصيد وأوصدت وأصدت مثل ورخت الكتاب وأرخته ووكدت الأمر وأكدته.

الإعراب:

﴿وترى الشمس﴾ إلى قوله ﴿وهم في فجوة﴾ منه متعلق بالرؤية وقوله ﴿إذا طلعت﴾ ﴿وإذا غربت﴾ كلاهما بجوابهما في موضع المفعول الثاني والحال والجملة التي هي ﴿وهم في فجوة منه﴾ في موضع الحال ﴿وكلبهم باسط ذراعيه﴾ أعمل اسم الفاعل حيث نصب به ذراعيه وإن كان بمعنى الماضي لأنه حكاية حال كما قال هذا من شيعته وهذا من عدوه وهذا يشار به إلى الحاضر ولم يكن المشار إليهما حاضرين حين قص القصة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكنه على تلك الحال قص القصة.

﴿فهو المهتد﴾ كتب في المصحف هنا بغير ياء وفي الأعراف بالياء وحذف الياء جائز في الأسماء خاصة ولا يجوز في الأفعال لأن حذف الياء في الفعل دليل الجزم وحذف الياء في الأسماء واقع إذا لم يكن الألف واللام نحو مهتد فأدخلت الألف واللام وترك الحرف على ما كان عليه ودلت الكسرة على الياء المحذوفة قال الزجاج: ﴿لو اطلعت﴾ بكسر الواو ويجوز الضم والكسر أجود لأن الواو ساكنة والطاء ساكنة والأصل في التقاء الساكنين الكسر وجاز الضم لأن الضم من جنس الواو ولكنه إذا كان بعد الساكن مضموم فالضم هناك أحسن نحو أو أنقص قرى‏ء بالضم والكسر.

﴿فرارا﴾ منصوب على المصدر لأن معنى وليت فررت و﴿رعبا﴾ منصوب على التمييز يقال امتلأت فرقا وامتلأ الإناء ماء.

المعنى:

ثم بين سبحانه حالهم في الكهف فقال ﴿وترى الشمس﴾ أي لو رأيتها لرأيت ﴿إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين﴾ أي تميل وقت طلوعها عن كهفهم إلى جهة اليمين ﴿وإذا غربت تقرضهم﴾ أي تعدل عنهم وتتركهم ﴿ذات الشمال﴾ إلى جهة الشمال شمال الكهف أي لا تدخل كهفهم وقيل تقرضهم أي تجاوزهم منحرفة عنهم عن ابن عباس ﴿وهم في فجوة منه﴾ أي في متسع من الكهف وقيل في فضاء منه عن قتادة وقيل كان متسعا داخل الكهف بحيث لا يراه من كان ببابه وينالهم نسيم الريح ثم أخبر سبحانه عن لطفه بهم وحفظه إياهم في مضجعهم واختياره لهم أصلح المواضع لرقادهم فبوأهم مكانا من الكهف مستقبلا بنات النعش تميل الشمس عنهم طالعة وغاربة كيلا يؤذيهم حرها أو تغير ألوانهم أو تبلي ثيابهم وهم في متسع ينالهم فيه روح الريح وكان باب الغار مقابل القطب الشمالي ﴿ذلك من آيات الله﴾ أي من أدلته وبرهانه ﴿من يهد الله فهو المهتد﴾ مثل أصحاب الكهف ﴿ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا﴾ مثل قوم أصحاب الكهف ﴿وتحسبهم أيقاظا﴾ أي لو رأيتهم لحسبتهم منتبهين ﴿وهم رقود﴾ أي نائمون في الحقيقة قال الجبائي وجماعة لأنهم مفتحو العيون يتنفسون كأنهم يريدون أن يتكلموا ولا يتكلمون وقيل إنهم ينقلبون كما ينقلب اليقظان ﴿ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال﴾ معناه ونقلبهم تارة عن اليمين إلى الشمال وتارة عن الشمال إلى اليمين كما يتقلب النائم لأنهم لو لم يتقلبوا لأكلتهم الأرض ولبليت ثيابهم لطول مكثهم على جانب واحد وقيل كانوا يقلبون كل عام تقلبتين عن أبي هريرة وقيل كان تقلبهم كل عام مرة عن ابن عباس وقوله ﴿وكلبهم﴾ قال ابن عباس وأكثر المفسرين إنهم هربوا من ملكهم ليلا فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم وتبعه كلبه وقيل إنهم مروا بكلب فتبعهم فطردوه فعاد ففعلوا ذلك مرارا فقال لهم الكلب ما تريدون مني لا تخشوا خيانة فأنا أحب أولياء الله فناموا حتى أحرسكم عن كعب وقيل كان ذلك كلب صيدهم وقيل كان ذلك الكلب أصفر اللون عن مقاتل وقيل كان أنمر واسمه قطمير عن ابن عباس وفي تفسير الحسن أن ذلك الكلب مكث هناك ثلاث مائة وتسع سنين بغير طعام ولا شراب ولا نوم ولا قيام ﴿باسط ذراعيه﴾ هو أن يلقيهما على الأرض مبسوطتين كافتراش السبع ﴿بالوصيد﴾ أي بفناء الكهف عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وقيل بالباب وقيل بباب الفجوة أو فناء الفجوة لا باب الكهف لأن الكفار خرجوا إلى باب الكهف في طلبهم ثم انصرفوا ولو رأوا الكلب على باب الغار لدخلوه وكذلك لو كان بالقرب من الباب ولما انصرفوا آيسين عنهم فإنهم سدوا باب الغار بالحجارة فجاء رجل بماشيته إلى باب الغار وأخرج الحجارة واتخذ لماشيته كنا عند باب الغار وهم كانوا في فجوة من الغار عن الجبائي وقيل الوصيد عتبة الباب عن عطا ﴿لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا﴾ معناه لو أشرفت عليهم ورأيتهم في كهفهم على حالتهم لفررت عنهم وأعرضت عنهم هربا لاستيحاشك الموضع ﴿ولملئت منهم رعبا﴾ أي ولملي‏ء قلبك خوفا وفزعا وذلك إن الله منعهم بالرعب لئلا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله فيهم وقيل كانوا في مكان موحش من رآه فزع ولا يمتنع أن الكفار لما أتوا باب الكهف فزعوا من وحشة المكان فسدوا باب الكهف ليهلكوا فيه وجعل سبحانه ذلك لطفا لئلا ينالهم مكروه من سبع وغيره وليكونوا محروسين من كل سوء وقيل إنهم كانت أظفارهم قد طالت وكذلك شعورهم ولذلك يأخذ الرعب منهم وهذا لا يصح لقوله تعالى حكاية عنهم لبثنا يوما أو بعض يوم وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال غزوت مع معاوية نحو الروم فمروا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف فقال معاوية لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقلت له ليس هذا لك فقد منع ذلك من هو خير منك قال الله تعالى ﴿لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا﴾ فقال معاوية لا أنتهي حتى أعلم علمهم فبعث رجالا فلما دخلوا الكهف أرسل الله عليهم ريحا أخرجتهم.