الآيات 53-56

وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ﴿53﴾ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴿54﴾ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا ﴿55﴾ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا ﴿56﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة ﴿قبلا﴾ بضمتين والباقون قبلا.

الحجة:

قد ذكرنا الوجه في سورة الأنعام.

اللغة:

المواقعة ملابسة الشي‏ء بشدة ومنه وقائع الحروب وأوقع به إيقاعا والتوقع الترقب لوقوع الشي‏ء والمصرف المعدل قال أبو كثير:

أزهير هل عن شيبة من مصرف

أم لا خلود لباذل متكلف

والتصريف تنقيل المعنى في الجهات المختلفة والإدحاض الإذهاب بالشي‏ء إلى الهلاك ومكان دحض أي مزلق مزل لا يثبت عليه خف ولا حافر ولا قدم قال:

وحاد كما حاد البعير عن الدحض.

الإعراب:

﴿أن يؤمنوا﴾ في موضع نصب والمعنى ما منع الناس من الإيمان إلا طلب أن يأتيهم فيكون أن يأتيهم في موضع رفع ﴿وما أنذروا﴾ في موضع نصب عطفا على ﴿آياتي﴾ و﴿هزوا﴾ هو المفعول الثاني لاتخذوا.

المعنى:

ثم بين سبحانه حال المجرمين فقال ﴿ورأى المجرمون النار﴾ يعني المشركين رأوا النار وهي تتلظى حنقا عليهم عن ابن عباس وقيل هو عام في أصحاب الكبائر ﴿فظنوا أنهم مواقعوها﴾ أي علموا أنهم داخلون فيها واقعون في عذابها ﴿ولم يجدوا عنها مصرفا﴾ أي معدلا وموضعا ينصرفون إليه ليتخلصوا منها ﴿ولقد صرفنا﴾ أي بينا ﴿في هذا القرآن للناس من كل مثل﴾ وتصريفها ترديدها من نوع واحد وأنواع مختلفة ليتفكروا فيها وقد مر تفسيره في بني إسرائيل ﴿وكان الإنسان أكثر شي‏ء جدلا﴾ يريد بالإنسان النضر بن الحارث عن ابن عباس ويريد أبي بن خلف عن الكلبي وقال الزجاج: معناه وكان الكافر يدل عليه قوله ويجادل الذين كفروا بالباطل ﴿وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم﴾ معناه ما منعهم من الإيمان بعد مجي‏ء الدلالة ومن أن يستغفروا ربهم على ما سبق من معاصيهم ﴿إلا أن تأتيهم سنة الأولين﴾ أي إلا طلب أن تأتيهم العادة في الأولين من عذاب الاستئصال حيث آتاهم العذاب من حيث لا يشعرون حين امتنعوا من قبول الهدى والإيمان ﴿أو يأتيهم العذاب قبلا﴾ أو طلب أن يأتيهم العذاب عيانا مقابلة من حيث يرونه وتأويله أنهم بامتناعهم من الإيمان بمنزلة من يطلب هذا حتى يؤمنوا كرها لأنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم وهذا كما يقول القائل لغيره ما منعك أن تقبل قولي إلا أن تضرب على أن المشركين قد طلبوا مثل ذلك فقالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ومن قرأ قبلا فهو في معنى الأول ويجوز أن يكون أيضا جمع قبيل وهو الجماعة أي يأتيهم العذاب ضروبا من كل جهة ثم بين سبحانه أنه قد أزاح العلة وأظهر الحجة وأوضح المحجة فقال ﴿وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين﴾ أي لم نرسل الرسل إلى الخلق إلا مبشرين لهم بالجنة إذا أطاعوا أو مخوفين لهم بالنار إذا عصوا ﴿ويجادل الذين كفروا بالباطل﴾ أي ويناظر الكفار دفعا عن مذاهبهم بالباطل ﴿ليدحضوا به الحق﴾ أي ليزيلوا الحق عن قراره قال ابن عباس: يريد المستهزءين والمقتسمين وأتباعهم وجدالهم بالباطل أنهم ألزموه أن يأتي بالآيات على أهوائهم على ما كانوا يقترحونه ليبطلوا به ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقال أدحضت حجته أي أبطلتها ﴿واتخذوا آياتي﴾ يعني القرآن ﴿وما أنذروا﴾ أي ما تخوفوا به من البعث والنار ﴿هزوا﴾ مهزوا به استهزءوا به.