الآيات 1-26

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴿1﴾ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ﴿2﴾ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ﴿3﴾ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ﴿4﴾ تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ﴿5﴾ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ ﴿6﴾ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ ﴿7﴾ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ ﴿8﴾ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ﴿9﴾ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴿10﴾ لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً ﴿11﴾ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ﴿12﴾ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ ﴿13﴾ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ ﴿14﴾ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ﴿15﴾ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ﴿16﴾ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴿17﴾ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ ﴿18﴾ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ﴿19﴾ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴿20﴾ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ﴿21﴾ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ﴿22﴾ إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ ﴿23﴾ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ﴿24﴾ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ﴿25﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴿26﴾

القراءة:

قرأ أهل البصرة غير سهل وأبو بكر تصلى بضم التاء والباقون بفتحها وقرأ ابن كثير وأهل البصرة غير سهل لا يسمع بضم الياء لاغية بالرفع وقرأ نافع لا تسمع بضم التاء لاغية بالرفع وقرأ الباقون ﴿لا تسمع﴾ بفتح التاء ﴿لاغية﴾ بالنصب وقرأ أبو جعفر إيابهم بتشديد الياء والباقون بالتخفيف وروي عن علي (عليه السلام) أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت بفتح أوائل هذه الحروف كلها وضم التاء وعن ابن عباس وقتادة وزيد بن أسلم وزيد بن علي إلا من تولى بالتخفيف.

الحجة:

حجة من قال ﴿تصلى﴾ قوله سيصلى نارا ذات لهب وقوله إلا من هو صال الجحيم وحجة من قال تصلى قوله ثم الجحيم صلوه وصلوه مثل اصلوه واللاغية مصدر بمنزلة العاقبة والعافية ويجوز أن تكون صفة نحو أن تقول لا تسمع فيها كلمة لاغية والأول أوجه لقوله تعالى لا يسمعون فيها لغوا ولا تسمع على بناء الفعل للمفعول به حسن لأن الخطاب ليس بمصروف إلى واحد بعينه وبناء الفعل للفاعل أيضا حسن على الشياع في الخطاب وإن كان لواحد وعلى هذا وإذا رأيت ثم رأيت نعيما ويجوز أن يكون الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكل واحد من التاء والياء في تسمع ويسمع حسن على اللفظ وعلى المعنى وأما قوله إيابهم على التشديد فقال أبو الفتح أنكر أبو حاتم هذه القراءة لأنه حملها على نحو كذبوا كذابا قال وهذا لا يجوز لأنه كان يجب أوابا لأنه فعال فيصح لاحتمال التغيير بالإدغام كقولهم اجلوذ اجلواذا قال أبو الفتح يجوز أن يكونوا قلبوا الواو ياء من أواب وإن كانت متحصنة بالإدغام استحسانا للتخفيف لا وجوبا كما قالوا ديمت السماء في دومت قال:

هو الجواد ابن الجواد ابن سبل

إن ديموا جاد وإن جادوا

وبل يريد دوموا وقال ويجوز أن يكون بني من آب فيعلت وأصله أيوبت والمصدر إيواب فقلبت الواو ياء لوقوع الياء ساكنة قبلها ويجوز أن يكون أوبت فوعلت والمصدر على الفيعال كالحيقال من حوقلت أنشد الأصمعي:

يا قوم قد حوقلت أو دنوت

وبعد حيقال الرجال الموت

فصار أيوابا فقلبت الواو ياء فصار إيابا وأما قراءة علي (عليه السلام) فالمفعول جميعها محذوف لدلالة المعنى عليه أي كيف خلقتها وكيف رفعتها وكيف نصبتها وسطحتها ومن قرأ إلا من تولي فإلا افتتاح كلام ومن شرط وجوابه ﴿فيعذبه الله﴾ أي فهو يعذبه الله وقد تقدم القول فيه في مواضع.

اللغة:

الغاشية المجللة لجميع الجملة غشيه يغشاه غشيانا وأغشاه غيره إذا جعله يغشى وغشاه بمعناه ونصب الرجل ينصب نصبا فهو نصب وناصب إذا تعب في العمل والآنية البالغة النهاية في شدة الحر والضريع نبت تأكله الإبل يضر ولا ينفع وإنما سمي ضريعا لأنه يشتبه عليها أمره فتظنه كغيره من النبت والأصل من المضارعة والمشابهة والنمارق واحدتها نمرقة والزرابي البسط الفاخرة واحدتها زربية والمصيطر المتسلط على غيره بالقهر له يقال تصيطر فلان على فلان وصيطر إذا تسلط وقال أبو عبيدة مصيطر ومبيطر لا ثالث لهما في كلام العرب.

الإعراب:

﴿كيف خلقت﴾ يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال من خلقت ويجوز أن يكون على المصدر وتكون الجملة التي هي كيف خلقت معلقة بينظرون لأن النظر مؤد إلى العلم ﴿إلا من تولى﴾ هو استثناء منقطع وسيبويه يقدر الاستثناء المنقطع بلكن والفراء يقدره بسوى.

المعنى:

﴿هل أتيك حديث الغاشية﴾ خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد قد أتاك حديث يوم القيامة لأنها تغشى الناس بأهوالها بغتة عن ابن عباس والحسن وقتادة وقيل الغاشية النار تغشي وجوه الكفار بالعذاب وهذا كقوله تغشى وجوههم النار عن محمد بن كعب وسعيد بن جبير ﴿وجوه يومئذ خاشعة﴾ أي ذليلة بالعذاب الذي يغشاها والشدائد التي تشاهدها والمراد بذلك أرباب الوجوه وإنما ذكر الوجوه لأن الذل والخضوع يظهر فيها وقيل المراد بالوجوه الكبراء تقول جاءني وجوه بني تميم أي ساداتهم وقيل عنى به وجوه الكفار كلهم لأنها تكبرت عن عبادة الله تعالى عن مقاتل ﴿عاملة ناصبة﴾ فيه وجوه (أحدها) أن المعنى عاملة في النار ناصبة فيها عن الحسن وقتادة قالا لم يعمل الله سبحانه في الدنيا فاعملها وانصبها في النار بمعالجة السلاسل والأغلال قال الضحاك يكلفون ارتقاء جبل من حديد في النار وقال الكلبي يجرون على وجوههم في النار (وثانيها) أن المراد عاملة في الدنيا بالمعاصي ناصبة في النار يوم القيامة عن عكرمة والسدي (وثالثها) عاملة ناصبة في الدنيا يعملون وينصبون ويتعبون على خلاف ما أمرهم الله تعالى به وهم الرهبان وأصحاب الصوامع وأهل البدع والآراء الباطلة لا يقبل الله أعمالهم في البدعة والضلالة وتصير هباء لا يثابون عليها عن سعيد بن جبير وزيد بن أسلم وأبي الضحاك عن ابن عباس وقال أبو عبد الله (عليه السلام) كل ناصب لنا وإن تعبد واجتهد يصير إلى هذه الآية ﴿عاملة ناصبة﴾ ﴿تصلى نارا حامية﴾ قال ابن عباس قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله وقيل المعنى إن هؤلاء يلزمون الإحراق بالنار التي في غاية الحرارة ﴿تسقى من عين آنية﴾ أي وتسقى أيضا من عين حارة قد بلغت إناها وانتهت حرارتها قال الحسن قد أوقدت عليها جهنم مذ خلقت فدفعوا إليها وردا عطاشا هذا شرابهم ثم ذكر طعامهم فقال ﴿ليس لهم طعام إلا من ضريع﴾ وهو نوع من الشوك يقال له الشبرق وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس وهو أخبث طعام وأبشعه لا ترعاه دابة وعن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الضريع شيء يكون في النار يشبه الشوك أمر من الصبر وأنتن من الجيفة وأشد حرا من النار سماه الله الضريع وقال أبو الدرداء والحسن إن الله يرسل على أهل النار الجوع حتى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالماء فيستقون فيعطشهم الله سبحانه ألف سنة ثم يسقون من عين آنية شربة لا هنيئة ولا مريئة كلما أدنوه إلى وجوههم سلخ جلود وجوههم وشواها فإذا وصل إلى بطونهم قطعها فذلك قوله وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ولما نزلت هذه الآية قال المشركون إن إبلنا لتسمن على الضريع وكذبوا في ذلك لأن الإبل لا ترعاه فقال الله سبحانه تكذيبا لهم ﴿لا يسمن ولا يغني من جوع﴾ أي لا يدفع جوعا ولا يسمن أحدا قال الحسن لا أدري ما الضريع لم أسمع من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا فيه وقيل هو سم عن مجاهد وقتادة وقيل ضريع بمعنى مضرع أي يضرعهم ويذلهم وقيل يسمى ضريعا لأن آكله يضرع في الإعفاء منه لخشونته وشدة كراهته عن كيسان وقيل هو الحجارة عن سعيد بن جبير ثم وصف سبحانه أهل الجنة فقال ﴿وجوه يومئذ ناعمة﴾ أي منعمة في أنواع اللذات ظاهر عليها إثر النعمة والسرور ومضيئة مشرقة ﴿لسعيها﴾ في الدنيا ﴿راضية﴾ حين أعطيت الجنة بعملها والمعنى لثواب سعيها وعملها من الطاعات راضية يريد أنه لما ظهر نفع أعمالهم وجزاء عباداتهم رضوه وحمدوه وهذا كما يقال عند الصباح يحمد القوم السري ﴿في جنة عالية﴾ أي مرتفعة القصور والدرجات وقيل إن علو الجنة على وجهين علو الشرف والجلالة وعلو المكان والمنزلة بمعنى أنها مشرفة على غيرها وهي أنزه ما تكون والجنة درجات بعضها فوق بعض كما أن النار دركات ﴿لا تسمع فيها لاغية﴾ أي كلمة ساقطة لا فائدة فيها وقيل لاغية ذات لغو كقولهم نابل ودارع أي ذو نبل ودرع قال الحطيئة: وغررتني وزعمت أنك لابن بالصيف تأمر ﴿فيها﴾ أي في تلك الجنة ﴿عين جارية﴾ قيل إنه اسم جنس ولكل إنسان في قصره من الجنة عين جارية من كل شراب يشتهيه وفي العيون الجارية من الحسن واللذة والمنفعة ما لا يكون في الواقفة ولذلك وصف بها عيون أهل الجنة وقيل إن عيون أهل الجنة تجري في غير أخدود وتجري كما يريد صاحبها ﴿فيها﴾ أي في تلك الجنة ﴿سرر مرفوعة﴾ قال ابن عباس ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت مرتفعة ما لم يجيء أهلها فإذا أراد أن يجلس عليها تواضعت له حتى يجلس عليها ثم ترتفع إلى موضعها والسرر جمع سرير وهو مجلس السرور وقيل إنما رفعت ليرى المؤمنون بجلوسهم عليها جميع ما حولهم من الملك ﴿وأكواب موضوعة﴾ على حافات العيون الجارية كلما أراد المؤمن شربها وجدها مملوءة وهي الأباريق ليس لها خراطيم ولا عرى تتخذ للشراب وقيل هي أواني الشراب من الذهب والفضة والجواهر بين أيديهم ويشربون بها ما يشتهونه من الأشربة ويتمتعون بالنظر إليها لحسنها ﴿ونمارق مصفوفة﴾ أي وسائد يتصل بعضها ببعض على هيئة مجالس الملوك في الدنيا ﴿وزرابي مبثوثة﴾ وهي البسط الفاخرة والطنافس المخملة والمبثوثة المبسوطة المنشورة ويجوز أن يكون المعنى أنها مفرقة في المجالس وعن عاصم بن ضمرة عن علي (عليه السلام) أنه ذكر أهل الجنة فقال يجيئون فيدخلون فإذا أسس بيوتهم من جندل اللؤلؤ وسرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة ولو لا أن الله تعالى قدرها لهم لالتمعت أبصارهم بما يرون ويعانقون الأزواج ويعقدون على السرر ويقولون الحمد لله الذي هدانا لهذا قال قتادة ولما نعت الله الجنة وما فيها عجب من ذلك أهل الضلال فأنزل الله سبحانه ﴿أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت﴾ وكانت عيشا من عيشهم فيقول أفلا يتفكرون فيها وما يخرج الله من ضروعها من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين يقول كما صنعت هذا لهم فكذلك أصنع لأهل الجنة في الجنة وقيل معناه أفلا يعتبرون بنظرهم إلى الإبل وما ركبه الله عليه من عجيب الخلق فإنه مع عظمته وقوته يذلله الصغير فينقاد له بتسخير الله إياه لعباده فيبركه ويحمل عليه ثم يقوم وليس ذلك في غيره من ذوات الأربع فلا يحمل على شيء منها إلا وهو قائم فأراهم الله سبحانه هذه الآية فيه ليستدلوا على توحيده بذلك عن أبي عمرو بن العلاء والزجاج وسأل الحسن عن هذه الآية وقيل له الفيل أعظم من الإبل في الأعجوبة فقال أما الفيل فالعرب بعيدو العهد بها ثم هو خنزير لا يركب ظهرها ولا يؤكل لحمها ولا يحلب درها والإبل من أعز مال العرب وأنفسه تأكل النوى وألقت وتخرج اللبن ويأخذ الصبي بزمامها فيذهب بها حيث شاء مع عظمها في نفسها ويحكى أن فأرة أخذت بزمام ناقة فأخذت تجرها وهي تتبعها حتى دخلت الحجر فجرت الزمام فبركت الناقة فجرت فقربت فمها من جحر الفأر.

﴿وإلى السماء كيف رفعت﴾ أي كيف رفعها الله فوق الأرض وجعل بينهما هذا الفضاء الذي به قوام الخلق وحياتهم ثم إلى ما خلقه فيها من بدائع الخلق من الشمس والقمر والكواكب وعلق بها منافع الخلق وأسباب معايشهم ﴿وإلى الجبال كيف نصبت﴾ أي أو لا يتفكرون في خلق الله سبحانه الجبال أوتادا للأرض ومسكنة لها وأنه لولاها لمادت الأرض بأهلها ﴿وإلى الأرض كيف سطحت﴾ أي كيف بسطها الله ووسعها ولو لا ذلك لما صح الاستقرار عليها والانتفاع بها وهذه من نعم الله سبحانه على عباده لا توازيها نعمة منعم وفيها دلائل على توحيده ولو تفكروا فيها لعلموا أن لهم صانعا صنعهم وموجدا أوجدهم ولما ذكر سبحانه الأدلة أمر نيته بالتذكير بها فقال ﴿فذكر﴾ يا محمد والتذكير التعريف للذكر بالبيان الذي يقع به الفهم والنفع بالتذكير عظيم لأنه طريق للعلم بالأمور التي يحتاج إليها ﴿إنما أنت مذكر﴾ لهم بنعم الله تعالى عندهم وبما يجب عليهم في مقابلتها من الشكر والعبادة وقد أوضح الله تعالى طريق الحجج في الدين وأكده غاية التأكيد بما لا يسع فيه التقليد بقوله ﴿إنما أنت مذكر﴾ وقوله وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وقوله إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ولقوم يذكرون ويتفكرون وقيل إن المراد فذكرهم بهذه الأدلة وأمرهم بالاستدلال بها ونبههم عليها عن الجبائي وأبي مسلم ﴿لست عليهم بمصيطر﴾ معناه لست عليهم بمتسلط تسليطا يمكنك أن تدخل الإيمان في قلوبهم وتجبرهم عليه وإنما الواجب عليك الإنذار فاصبر على الإنذار والتبليغ والدعوة إلى الحق وقيل معناه لست عليهم بمتسلط الآن حتى تقاتلهم إن خالفوك وكان هذا قبل نزول آية الجهاد ثم نسخ بالأمر بالقتال والوجه الصحيح أنه لا نسخ فيه لأن الجهاد ليس بأكره للقلوب والمراد أنك إنما بعثت للتذكير وليس عليك من ترك قبولهم شيء ﴿إلا من تولى وكفر﴾ أي أعرض عن الذكر ولم يقبل منك وكفر بالله وبما جئت به فكل أمره إلى الله عن الحسن وقيل معناه إلا من تولى وكفر فلست له بمذكر لأنه لا يقبل منك فكأنك لست تذكره ﴿فيعذبه الله العذاب الأكبر﴾ وهو الخلود في النار ولا عذاب أعظم منها ثم ذكر سبحانه أن مرجعهم إليه فقال ﴿إن إلينا إيابهم﴾ أي مرجعهم ومصيرهم بعد الموت ﴿ثم إن علينا حسابهم﴾ أي جزاءهم على أعمالهم فهذا جامع بين الوعد والوعيد ومعناه لا يهمنك أمرهم فإنهم وإن عاندوك وآذوك فمصير جميعهم إلى حكمنا لا يفوتوننا ومجازاتهم علينا وعن قريب تقر عينك بما تراه في أعدائك.

النظم:

يسأل كيف يتصل ذكر الإبل وما بعدها بذكر وصف الجنان ونعيمها (والجواب) إنه يتصل بأول السورة والضمير في قوله ﴿ينظرون﴾ عائد إلى الذين وصفهم بقوله ﴿عاملة ناصبة﴾ وأنه لما ذكر عقابهم وثواب المؤمنين عاد عليهم بالاحتجاج بالإبل والسماء والأرض والجبال وكيفية دلالتها على وجود الصانع الحكيم يريد هلا نظر هؤلاء في صنائع الله فيعرفونه ويعبدونه عن أبي مسلم وقيل إنه لما ذكر سرر الجنة وارتفاعها تعجبوا من ذلك وقالوا كيف يصعد عليها فأراهم الله سبحانه الإبل وأنه كيف سخرت لبني آدم مع عظمها حتى أنيخت للحمل عليها وتقوم بعد ذلك وكيف أحكم الله خلق السماوات والأرض والجبال ردا على أولئك القوم وإنما خص سبحانه هذه الأشياء بالذكر لاستواء الناس كلهم في معرفتها.