الآيات 76-82
قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا ﴿76﴾ فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴿77﴾ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴿78﴾ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴿79﴾ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴿80﴾ فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿81﴾ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴿82﴾
القراءة:
قرأ يعقوب برواية روح وزيد فلا تصحبني والباقون ﴿فلا تصاحبني﴾ وقرأ أهل المدينة وأبو بكر عن عاصم من لدني خفيفة النون والباقون ﴿لدني﴾ بالتشديد وقرأ ابن كثير وأهل البصرة لتخذت بكسر الخاء مخففة وابن كثير يظهر منه الذال والباقون ﴿لتخذت﴾ وعاصم يظهر الذال والآخرون يدغمون وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو أن يبدلهما بفتح الباء وتشديد الدال وكذلك في التحريم أن يبدله وفي القلم أن يبدلنا والباقون بسكون الباء وتخفيف الدال وقرأ رحما بضم الحاء أبو جعفر وابن عامر وعاصم وعباس ويعقوب وسهل والباقون بسكون الحاء وفي الشواذ قراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جدارا يريد أن ينقض بضم الياء وقراءة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعكرمة ويحيى بن يعمر ينقاص بصاد غير معجمة وبالألف وقراءة عبد الله والأعمش يريد لينقض.
الحجة:
من قرأ فلا تصحبني فمعناه لا تكون صاحبي ومن قرأ ﴿فلا تصاحبني﴾ فمعناه إن طلبت صحبتك فلا تتابعني على ذلك وأما قوله ﴿من لدني﴾ فإن الأجود تشديد النون لأن أصل لدن الإسكان فإذا أضفتها إلى نفسك زدت نونا لتسلم سكون النون الأولى تقول من لدن زيد ومن لدني كما تقول عن زيد وعني ومن قرأ لدني لم يجز له أن يقول عني لأن لدن اسم غير متمكن ومن وعن حرفان جاء المعنى ولدن مع ذلك أثقل من من وعن والدليل على أن الأسماء يجوز فيها حذف النون قولهم قدني في معنى حسبي ويجوز قدي قال:
قدني من نصر الخبيبين قدي
فجاء باللغتين وقال أبو زيد: اتخذنا مالا نتخذه اتخاذا وتخذت اتخذ تخذا وقال أبو علي: وجه الإدغام أن هذه الحروف متقاربة فيدغم بعضها في بعض كما يدغم سائر المتقاربة فالتاء والدال والطاء والظاء والذال والثاء يدغم بعضها في بعض للمقاربة فأما الصاد والسين والزاء فيدغم بعضها في بعض ويدغم فيها الحروف الستة ولا يدغمن في الستة لما يختل من إدغامها في مقاربها من الصفير وأما قوله ﴿أن يبدلهما﴾ فإن أدل وبدل متقاربان في المعنى كما أن أنزل ونزل كذلك وأما قوله رحما فإن الرحم والرحم هاهنا الرحمة قال رؤبة:
يا منزل الرحم على إدريس
ومنزل اللعن على إبليس
قال ابن جني: قوله ﴿يريد أن ينقض﴾ معناه قد قارب أو شارف ذلك فهو عائد إلى معنى يكاد وقد جاء ذلك عنهم ونشد أبو الحسن:
كادت وكدت وتلك خير إرادة
لو عاد من لهو الصبابة ما مضى
وحسن هنا لفظ الإرادة لأنه أقوى في وقوع الفعل وذلك أنها داعية إلى وقوعه وهي أيضا لا تصح إلا مع الحياة ولا يصح الفعل إلا لذي الحياة وليس كذلك كاد لأنه قد يقارب الأمر ما لا حياة له نحو ميل الحائط وإشراق ضوء الفجر وينقاص أي ينكسر يقال قصته نقاص قال:
فراق كقيص السن فالصبر إنه
لكل أناس كسرة وجبور
وقالوا أيضا قضته فانقاض بضاد معجمة يعني هدمته فانهدم قال:
كأنها هدم في الجفر منقاض
وقراءة العامة ﴿ينقض﴾ يحتمل أمرين (أحدهما) أن يكون ينفعل من القضة وهي الحصى الصغار (والآخر) أن يكون يفعل من نقضت الشيء كقراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد أن ينقض فيكون كيزور ويرعوي ونحوهما مما جاء من غير الألوان والعيوب ومن قرأ لينقض فإن شئت قلت اللام زائدة فيه واحتججت فيه بقراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن شئت قلت تقديره إرادته لكذا كقولك قيامه لكذا وجلوسه لكذا ثم وضع الفعل موضع مصدره كما أنشد أبو زيد:
فقالوا ما تشاء فقلت لهوا
إلى الإصباح آثر ذي أثير
أي اللهو فوضع ألهو موضع مصدره وأنشد أيضا:
وأهلكني لكم في كل يوم
تعوجكم علي وأستقيم
أي واستقامتي وكاللام هنا اللام في قوله:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى بكل سبيل
فيحتمل اللام هنا الوجهين اللذين تقدم ذكرهما.
اللغة:
الانقضاض السقوط بسرعة قال ذو الرمة:
فانقض كالكوكب الدري منصلتا
والوراء والخلف واحد وهو نقيض جهة القدام ويستعمل وراء بمعنى القدام أيضا على الاتساع لأنها جهة مقابلة لجهة فكان كل واحد من الجهتين وراء الأخرى قال الشاعر:
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي
وقومي تميم والفلاة ورائيا
وقال لبيد:
أليس وراءي إن تراخت منيتي
لزوم العصا تحنو عليها الأصابع
وقال الفراء: يجوز ذلك في الزمان دون الأجسام قال علي بن عيسى وغيره: ويجوز في الأجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر والإرهاق إدراك الشيء بما يغشاه ورهقه الفارس أي غشيه وأدركه غلام مراهق إذا قارب أن يغشاه حال البلوغ ويقال أرهقه أمرا أي ألحقه إياه قال الأزهري: الرهق جهل الإنسان وأرهقه عسرا كلفه إياه وجاء في الحديث كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا دخل مكة مراهقا خرج إلى عرفة أي ضاق عليه الوقت.
الإعراب:
قال الزجاج: قوله ﴿هذا فراق بيني وبينك﴾ زعم سيبويه أن معنى مثل هذا التوكيد يعني هذا فراق بيننا أي هذا فراق اتصالنا ومثله من الكلام أخزى الله الكاذب مني ومنك وهذا لا يكون إلا بالواو ولا يجوز هذا فراق بيني فبينك لأن معنى الواو الاجتماع ومعنى الفاء أن يأتي الثاني في إثر الأول ومساكين لا ينصرف لأنه جمع ليس له في الآحاد نظير ﴿رحمة من ربك﴾ منصوب على ضربين (أحدهما) أن المعنى فعلنا ذلك رحمة أي للرحمة كما تقول أنقذتك من الهلكة رحمة لك (والآخر) أن يكون منصوبا على المصدر لأن معنى قوله ﴿فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما﴾ رحمهما الله بذلك.
المعنى:
﴿قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني﴾ أي قال له موسى جوابا إن سألتك عن شيء بعد هذه المرة أو بعد هذه النفس وقتلها فلا تتركني أصحبك ﴿قد بلغت من لدني عذرا﴾ أي قد أعذرت فيما بيني وبينك وقد أخبرتني أني لا أستطيع معك صبرا عن ابن عباس وهذا إقرار من موسى (عليه السلام) بأن الخضر قد قدم إليه ما يوجب العذر عنده فلا يلزمه ما أنكره وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تلا هذه الآية فقال استحيى نبي الله موسى ولو صبر لرأى ألفا من العجائب ﴿فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية﴾ وهي أنطاكية عن ابن عباس وقيل إيلة عن ابن سيرين ومحمد بن كعب وقيل هي قرية على ساحل البحر يقال لها ناصرة وبها سميت النصارى نصارى وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ﴿استطعما أهلها﴾ أي سألاهم الطعام ﴿فأبوا أن يضيفوهما﴾ والتضييف والإضافة بمعنى واحد أي لم يضيفهما أحد من أهل القرية وروى أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال كانوا أهل قرية لئام وقال أبو عبد الله (عليه السلام) لم يضيفوهما ولا يضيفون بعدهما أحدا إلى أن تقوم الساعة ﴿فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض﴾ وصف الجدار بالإرادة مجاز ومعناه قرب أن ينقض وأشرف على أن ينهدم وذلك على التشبيه بحال من يريد الفعل في الثاني وهذا من فصيح كلام العرب ومثله في أشعارهم كثير قال الراعي يصف الإبل:
في مهمة قلقت بها هاماتها
قلق الفئوس إذا أردن فصولا
وقال الآخر:
يريد الرمح صدر أبي براء
ويرغب عن دماء بني عقيل
وقريب منه قول الآخر:
إن دهرا يلف شملي بسعدي
لزمان يهم بالإحسان
أي كأنه يهم وقال عنترة يصف فرسه:
فأزور من وقع القنا بلبانه
وشكا إلي بعبرة وتحمحم
﴿فأقامه﴾ أي سواه قيل إنه دفع الجدار بيده فاستقام عن سعيد بن جبير ﴿قال لو شئت لتخذت عليه أجرا﴾ معناه إنهم لما بخلوا عليهما بالطعام وأقام الخضر جدارهم المشرف على الانهدام عجب موسى من ذلك فقال لو شئت لعملت هذا بأجر تأخذه منهم حتى كنا نسد به جوعتنا ﴿قال هذا فراق بيني وبينك﴾ معناه هذا الكلام والإنكار على ترك الأجر هو المفرق بيننا وقيل معناه هذا وقت فراق اتصالنا وكرر بين تأكيدا عن الزجاج وقيل معناه هذا الذي قلته سبب الفراق بيني وبينك ثم قال له ﴿سأنبئك﴾ أي سأخبرك ﴿بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا﴾ أي بتفسير الأشياء التي لم تستطع على الإمساك عن السؤال عنها صبرا ﴿أما السفينة فكانت لمساكين﴾ معناه أما السبب في خرقي السفينة فهو أنها كانت لفقراء لا شيء لهم يكفيهم قد سكنتهم قلة ذات أيديهم ﴿يعملون في البحر﴾ أي يعملون بها في البحر ويتعيشون بها ﴿فأردت أن أعيبها﴾ أي أحدث فيها عيبا ﴿وكان وراءهم﴾ أي وكان قدامهم ﴿ملك يأخذ كل سفينة﴾ صحيحة أو غير معيبة ﴿غصبا﴾ عن قتادة وابن عباس قال عباد بن صهيب: قدمت الكوفة لأسمع من إسماعيل بن أبي خالد فمررت بشيخ جالس فقلت يا شيخ كيف أمر إلى منزل إسماعيل بن أبي خالد فقال لي وراءك فقلت أرجع فقال أقول وراءك وترجع فقلت أ ليس ورائي خلفي قال لا ثم قال حدثني عكرمة عن ابن عباس ﴿وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا﴾ قال ولو كان وراءهم لكانوا قد جاوزوه ولكن كان بين أيديهم قال الخضر: إنما خرقتها لأن الملك إذا رآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة خشب فانتفعوا بها وقيل يحتمل أن الملك كان خلفهم وكان طريقهم في الرجوع عليه ولم يعلم به أصحاب السفينة وعلم به الخضر (عليه السلام) ﴿وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين﴾ وروي عن أبي وابن عباس أنهما كانا يقرءان وأما الغلام فكان كافرا وأبواه مؤمنين وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) ومعناه وأما الغلام الذي قتله فإنما قتلته لأنه كان كافرا ﴿فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا﴾ أي فعلمنا أنه إن بقي يرهق أبويه أي يغشيهما طغيانا وكفرا وهو من كلام الله تعالى وقيل معناه فخفنا أن يحمل أبويه على الطغيان والكفر بأن يباشر ما لا يمكنهما منعه منه فيحملهما على الذب عنه والتعصب له فيؤدي ذلك إلى أمور يكون مجاوزة للحد في العصيان والكفر وهو من كلام الخضر لأن الله تعالى لا يجوز عليه الخشية وقيل معناه فكرهنا أن يرهق الغلام أبويه إثما وظلما بطغيانه وكفره ﴿فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة﴾ أي ولدا خيرا منه دينا وطهارة وصلاحا ﴿وأقرب رحما﴾ أي وأرحم بهما عن قتادة والزكاة الصلاح والزكي الصالح والرحم العطف والرحمة وقيل معناه أبر بوالديه وأوصل للرحم عن ابن عباس وقيل معناه وأقرب أن يرحما به قال قتادة: قال مطرف: أيم الله إنا لنعلم أنهما فرحا به يوم ولد وحزنا عليه يوم قتل ولو عاش كان فيه مهلكتهما فرضي رجل ما قسم الله له فإنه قضاء الله للمؤمن خير من قضائه لنفسه وما قضي لك يا ابن آدم فيما تكره خير مما قضي لك فيما تحب فاستخر الله وأرض بقضائه وروي أنهما أبدلا بالغلام المقتول جارية فولدت سبعين نبيا عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل إنه تزوجها نبي من الأنبياء فولدت له نبيا هدى الله على يديه أمة من الأمم عن الكلبي وفي قتل الغلام دلالة على وجوب اللطف على ما نذهب إليه لأن المفهوم من الآية أنه تدبير من الله تعالى لم يكن يجوز خلافه وأنه إذا علم من حال الإنسان أنه يفسد عند شيء يجب عليه في الحكمة أن يذهب ذلك الشيء حتى لا يقع هذا الفساد ومتى قيل إنه لو حصل لنا العلم بذلك كما حصل لذلك العالم هل كان يحسن منا القتل قلنا أن هذا العلم لا يحصل إلا للأنبياء وعند حصول العلم به يحسن ذلك ومتى قيل إن الله كان قادرا على إزالة حياة الغلام بالموت من غير ألم فتزول التبقية التي هي المفسدة من غير إدخال إيلام عليه بالقتل فلم أمر بالقتل فالجواب من وجهين (أحدهما) أن الله تعالى قد علم أن أبويه لا يثبتان على الإيمان إلا بقتل هذا الغلام فتعين وجه الوجوب في القتل (والآخر) أن تبقية الغلام إذا كانت مفسدة فالله تعالى مخير في إزالتها بالموت من غير ألم وبالقتل لأن القتل وإن كان فيه ألم يلحق المقتول فإن بإزائه أعواضا كثيرة توازي ذلك الألم ويزيد عليه أضعافا كثيرة فيصير القتل بالمنافع العظيمة التي بإزائه كأنه ليس بالم ويدخل في قبيل النفع والإحسان ﴿وأما الجدار فكان﴾ أي فإنما أقمته لأنه كان ﴿لغلامين يتيمين في المدينة﴾ يعني القرية المذكورة في قوله ﴿أتيا أهل قرية﴾ ﴿وكان تحته كنز لهما﴾ والكنز هو كل مال مذخور من ذهب أو فضة وغير ذلك واختلف في هذا الكنز فقيل كانت صحف علم مدفونة تحته عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقال ابن عباس: ما كان ذلك الكنز إلا علما وقيل كان كنزا من الذهب والفضة عن قتادة وعكرمة واختاره الجبائي ورواه أبو الدرداء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيل كان لوحا من ذهب وفيه مكتوب عجبا لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن. عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب. عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح. عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل. عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ابن عباس والحسن وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفي بعض الروايات زيادة ونقصان وهذا القول يجمع القولين الأولين لأنه يتضمن إن الكنز كان مالا كتب فيه علم فهو مال وعلم ﴿وكان أبوهما صالحا﴾ بين سبحانه أنه حفظ الغلامين بصلاح أبيهما ولم يذكر منهما صلاحا عن ابن عباس وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء وقال (عليه السلام) إن الله ليصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله ﴿فأراد ربك أن يبلغا أشدهما﴾ أي ينتهيا إلى الوقت الذي يعرفان فيه نفع أنفسهما وحفظ مالهما وهو أن يكبرا ويعقلا ﴿ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك﴾ أي نعمة من ربك والمعنى أن كل ما فعلته رحمة من الله تعالى أي رحم الله بذلك المساكين وأبوي الغلام واليتيمين رحمة ﴿وما فعلته عن أمري﴾ أي وما فعلت ذلك من قبل نفسي وإنما فعلته بأمر الله تعالى قال ابن عباس: يريد انكشف لي من الله علم فعملت به ثم قال ﴿ذلك﴾ الذي قلته لك ﴿تأويل ما لم تسطع عليه صبرا﴾ أي ثقل عليك مشاهدته ورؤيته واستنكرته يقال استطاع يستطيع واسطاع يسطيع قال أبو علي الجبائي: لا يجوز أن يكون الخضر حيا إلى وقتنا هذا لأنه لو كان لعرفه الناس ولم يخف مكانه ولأنه لا نبي بعد نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا الذي ذكره غير صحيح لأن تبقيته في مقدور الله تعالى ويجوز أن تنخرق العادة للأنبياء (عليهم السلام) بالإجماع ولا يمتنع أيضا أن يكون بحيث لا يتعرف إلى أحد وأن الناس وإن كانوا يشاهدونه لا يعرفونه وقوله إنه لا نبي بعد نبينا مسلم ولكن نبوة الخضر (عليه السلام) كانت ثابتة قبل نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأما شرعه لو كان له شرع خاص فإنه منسوخ بشريعة نبينا ولو كان داعيا إلى شريعة من تقدمه من الأنبياء فإن شريعة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ناسخة لها فلا يؤدي إلى ما قاله الجبائي.