الآيات 99-106

وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ﴿99﴾ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا ﴿100﴾ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ﴿101﴾ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا ﴿102﴾ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴿103﴾ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴿104﴾ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴿105﴾ ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴿106﴾

القراءة:

قرأ أبو بكر في رواية الأعشى والبرجمي عنه وزيد عن يعقوب أ فحسب الذين كفروا برفع الباء وسكون السين وهو قراءة أمير المؤمنين (عليه السلام) وابن يعمر والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك وابن أبي ليلى وهذا من الأحرف التي اختارها أبو بكر وخالف عاصما فيها وذكر أنه أدخلها في قراءة عاصم من قراءة أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى استخلص قراءته وقرأ الباقون ﴿أفحسب﴾ بكسر السين وفتح الباء.

الحجة:

قال ابن جني: معناه أفحسب الكافرين وحظهم ومطلوبهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء بل يجب أن يعبدوا أنفسهم مثلهم فيكون كلهم عبيدا وأولياء لي ونحوه قوله تعالى وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل أي اتخذتهم عبيدا لك وهذا أيضا هو المعنى إذا كانت القراءة أفحسب الذين كفروا إلا أن حسب ساكنة السين أذهب في الذم لهم وذلك لأنه جعله غاية مرادهم ومجموع مطلوبهم وليست القراءة الأخرى كذلك.

اللغة:

الترك التخلية والتريكة بيضة النعام كأنها تركت بالعراء والتريكة أيضا الروضة يغفلها الناس فلا يرعونها والترك ضد الأخذ والترك في الحقيقة لا يجوز على الله تعالى وإنما يجوز على العاذر بعذره إلا أنه يتوسع فيه فيعبر فيه عن الإخلال بالشي‏ء بالترك والموج اضطراب الماء بتراكب بعضه على بعض والنزل ما يهيا للنزيل وهو الضيف قال الشاعر:

نزيل القوم أعظمهم حقوقا

وحق الله في حق النزيل

وطعام ذو نزل ونزل بفتح النون والزاء أيضا ذو فضل.

الإعراب:

﴿أن يتخذوا﴾ في موضع نصب بوقوع حسب عليه ومن قرأ فحسب بالرفع وسكون السين فأن يتخذوا في موضع رفع أعمالا منصوب على التمييز لأنه لما قال ﴿بالأخسرين﴾ كان مبهما لا يدل على ما خسروه فبين ذلك الخسران في أي نوع وقع والذين يصلح أن يكون في موضع جر على الصفة للأخسرين ويصلح أن يكون في موضع رفع على الاستئناف أي هم الذين ضل سعيهم.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن حال تلك الأمم فقال ﴿وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض﴾ أي وتركنا يأجوج ومأجوج يوم انقضاء أمر السد يموجون في الدنيا مختلطين لكثرتهم ويكون حالهم كحال الماء الذي يتموج باضطراب أمواجه وقيل إنه أراد سائر الخلق من الجن والإنس أي وتركناهم يوم خروج يأجوج ومأجوج يختلطون بعضهم ببعض لأن ذلك علم للساعة ثم ذكر سبحانه نفخ الصور فقال ﴿ونفخ في الصور﴾ لأن خروج يأجوج ومأجوج من أشراط الساعة واختلف في الصور فقيل هو قرن ينفخ فيه عن ابن عباس وابن عمر وقيل هو جمع صورة فإن الله سبحانه يصور الخلق في القبور كما صورهم في أرحام الأمهات ثم ينفخ فيهم الأرواح كما نفخ وهم في أرحام أمهاتهم عن الحسن وأبي عبيدة وقيل إنه ينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات فالنفخة الأولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق التي يصعق من في السماوات والأرض بها فيموتون والثالثة نفخة القيام لرب العالمين فيحشر الناس بها من قبورهم ﴿فجمعناهم جمعا﴾ أي حشرنا الخلق يوم القيامة كلهم في صعيد واحد ﴿وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا﴾ أي أظهرنا جهنم وأبرزناها لهم حتى شاهدوها ورأوا ألوان عذابها قبل دخولها ثم وصف الكافرين فقال ﴿الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري﴾ ذكر سبحانه السبب الذي استحقوا به النار يعني الذين غفلوا عن الاعتبار بقدرتي الموجب لذكري وأعرضوا عن التفكر في آياتي ودلائلي فصاروا بمنزلة من يكون في عينه غطاء يمنعه من الإدراك ﴿وكانوا لا يستطيعون سمعا﴾ أي وكان يثقل عليهم سماع القرآن وذكر الله تعالى كما يقال فلان لا يستطيع النظر إليك ولا يستطيع أن يسمع كلامك أي يثقل عليه ذلك وأراد بالعين هنا عين القلب كما يضاف العمى إلى القلب ﴿أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء﴾ معناه أفحسب الذين جحدوا توحيد الله أن يتخذوا من دوني أربابا ينصرونهم ويدفعون عقابي عنهم والمراد بالعباد المسيح والملائكة الذين عبدوهم من دون الله وهم براء منهم ومن كل مشرك بالله تعالى وقيل معناه أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا من دوني آلهة وأنا لا أغضب لنفسي عليهم ولا أعاقبهم عن ابن عباس ويدل على هذا المحذوف قوله ﴿إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا﴾ أي منزلا عن الزجاج وهو معنى قول ابن عباس يريد هي مثواهم ومصيرهم وقيل معناه إنا جعلنا جهنم معدة مهياة للكافرين عندنا كما يهيا النزل للضيف ﴿قل﴾ يا محمد ﴿هل ننبئكم﴾ أي هل نخبركم ﴿بالأخسرين أعمالا﴾ أي بأخسر الناس أعمالا والمعنى بالقوم الذين هم أخسر الناس فيما عملوا وهم كفار أهل الكتاب اليهود والنصارى ﴿الذين ضل سعيهم﴾ أي بطل عملهم واجتهادهم ﴿في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا﴾ أي يظنون أنهم بفعلهم محسنون وأن أفعالهم طاعة وقربة وروى العياشي بإسناده قال قام ابن الكواء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فسأله عن أهل هذه الآية فقال أولئك أهل الكتاب كفروا بربهم وابتدعوا في دينهم فحبطت أعمالهم وما أهل النهر منهم ببعيد يعني الخوارج ﴿أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم﴾ أي جحدوا بحجج الله وبيناته ولقاء جزائه في الآخرة فبطلت وضاعت أعمالهم التي عملوها لأنهم أوقعوها على خلاف الوجه الذي أمرهم الله به ﴿فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا﴾ أي لا قيمة لهم عندنا ولا كرامة ولا نعتد بهم بل نستخف بهم ونعاقبهم تقول العرب ما لفلان عندنا وزن أي قدر ومنزلة ويوصف الجاهل بأنه لا وزن له لخفته بسرعة بطشه وقلة تثبته وروي في الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن جناح بعوضة ﴿ذلك جزاؤهم جهنم﴾ معناه الأمر ذلك الذي ذكرت من حبوط أعمالهم وخيبة قدرهم ثم ابتدأ سبحانه فقال جزاؤهم جهنم ﴿بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا﴾ أي بكفرهم واتخاذهم آياتي أي أدلتي الدالة على توحيدي يعني القرآن ورسلي هزوا أي مهزوءا به.