الآيات 93-98

حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ﴿93﴾ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴿94﴾ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴿95﴾ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴿96﴾ فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴿97﴾ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴿98﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو ﴿بين السدين﴾ و﴿سدا﴾ بالفتح هنا وفي ياسين بالضم وقرأ أهل الكوفة غير عاصم بين السدين بضم السين وسدا حيث كان بالفتح وقرأ حفص الجميع بالفتح وقرأ الباقون الجميع بالضم كل القرآن وقرأ أهل الكوفة غير عاصم يفقهون بضم الياء وكسر القاف والباقون بفتح الياء والقاف وقرأ عاصم ﴿يأجوج ومأجوج﴾ بالهمزة ومثله في الأنبياء وقرأ الباقون بغير همزة فيهما في السورتين وقرأ أهل الكوفة غير عاصم خراجا وفي المؤمنين خراجا فخراج ربك كله بالألف والباقون ﴿خرجا﴾ بغير ألف في الموضعين فخراج ربك بالألف وقرأ ابن كثير ما مكنني بنونين والباقون بنون واحدة مشددة وقرأ يحيى عن أبي بكر ردما أتوني بالوصل وقرأ حمزة ويحيى عن أبي بكر قال ايتوني بالوصل أيضا والباقون ﴿آتوني﴾ بقطع الألف في الحرفين وقرأ أهل المدينة والكوفة غير أبي بكر ﴿بين الصدفين﴾ بفتح الصاد والدال وقرأ الباقون بضم الصاد والدال غير أبي بكر فإنه قرأ بضم الصاد وسكون الدال وقرأ حمزة غير خلاد فما اسطاعوا مشددة الطاء والباقون خفيفة الطاء وقرأ أهل الكوفة ﴿دكاء﴾ بالمد والهمزة والباقون دكا منونا غير مهموز.

الحجة:

قال أبو عبيدة: كل شي‏ء وجدته العرب من فعل الله من الجبال والشعاب فهو سد بالضم وما بناه الآدميون فهو سد وقال غيره: هما لغتان كالضعف والضعف والفقر والفقر قال أبو علي: يجوز أن يكون السد بالفتح مصدرا والسد بالضم المسدود كالأشياء التي يفصل فيها بين المصادر والأسماء نحو السقي والشرب والشرب فإذا كان كذلك فالأشبه بين السدين لأنه المسدود ويجوز فيمن فتح السدين أن يجعله اسما للمسدود نحو نسج اليمن وضرب الأمير بمعنى المنسوج والمضروب ومن قرأ لا يكادون يفقهون فإن فقهت يتعدى إلى مفعول واحد نحو فقهت السنة فإذا نقلته تعدى إلى مفعولين فيكون المعنى فيمن ضم لا يكادون يفقهون أحدا قولا فحذف أحد المفعولين كما حذف من قوله فأتبعوهم مشرقين والمعنى فأتبعوهم جندهم مشرقين وقوله فأتبعهم فرعون وجنوده أي فأتبعهم فرعون طلبه إياهم أو تتبعه لهم والحذف في هذا النحو كثير قال أبو علي: يأجوج إن جعلته عربيا فهو يفعول من أج نحو يربوع ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفا فهو على قوله يفعول أيضا وإن كانت الألف في يأجوج ليس على التخفيف فإنه فاعول من ي ج ج فإن جعلت الكلمة من هذا الأصل كانت الهمزة فيها كمن قال ساق ونحو ذلك مما جاء مهموزا ولم يتبع أن يهمز ويكون الامتناع من صرفه على هذا للتأنيث والتعريف كأنه اسم القبيلة كمجوس وأما مأجوج فمن همز فمفعول من أج فالكلمتان على هذا من أصل واحد ومن لم يهمز فإنه فاعول من مج فالكلمتان على هذا من أصلين وليسا من أصل واحد ويكون ترك الصرف فيه أيضا للتعريف والتأنيث فإن جعلتهما من العجمية فهذه التمثيلات لا تصح فيهما وإنما امتنعا من الصرف للعجمة والتعريف وقوله ﴿هل نجعل لك خرجا﴾ أي هل نجعل لك عطية نخرجها إليك من أموالنا وكذلك قوله أم تسئلهم خرجا أي مالا يخرجونه إليك فأما المضروب على الأرض فالخراج وقد يجوز في غير ضرائب الأرض الخراج بدلالة قول العجاج:

يوم خراج يخرج السمرجا

فهذا ليس على الضرائب التي ألزمت الأرضين لأن ذلك لا يضاف إلى وقت من يوم وغيره وإنما هو شي‏ء مؤبد لا يتغير وقوله ﴿ما مكني﴾ بإظهار المثلين فلأن الثاني منهما غير لازم لأنك قد تقول قد مكنتك ومكنته فلا تلزم النون فلما لم تلزم لم يعتد بها كما أن التاء في اقتتلوا كذلك ومن أدغم لم ينزله منزلة ما لا يلزم فأدغم كما أن من قال قتلوا في اقتتلوا كان كذلك قال أبو علي: ومكن مكانة فهو مكين فعل غير متعد فإذا ضعفت العين عديته بذلك وحجة من قرأ ردما ايتوني ايتوني أن أشبه ب ﴿أعينوني بقوة﴾ لأنه كلفهم المعونة على عمل السد ولم يقبل الخرج الذي بذلوه له وقوله ﴿ايتوني﴾ الذي معناه جيئوني إنما هو معونة على ما كلفهم في قوله ﴿فأعينوني بقوة﴾ وأما آتوني فمعناه أعطوني، فأعطوني يجوز أن يكون على المناولة ويجوز أن يكون على الاتهاب وائتوني المقصورة لا يحتمل إلا جيئوني فيكون أحسن هنا لاختصاصه بالمعونة فقط دون أن يكون سؤال عين والعطية قد تكون هبة قال:

ومنا الذي أعطى الرسول عطية

أسارى تميم والعيون دوامع

فالعطية تجري مجرى الهبة لهم والإنعام عليهم في فك الأسر وقد تكون بمعنى المناولة ووجه قراءة من قرأ ﴿آتوني﴾ أنه لم يرد بآتوني العطية والهبة ولكن تكليف المناولة بالأنفس كما كان قراءة من قرأ أيتوني لا يصرف إلى استدعائه تمليك عين بهبة ولا بغيرها فأما انتصاب ﴿زبر الحديد﴾ فإنك تقول أئتيك بدرهم قال:

أتيت بعبد الله في القيد موثقا

فهلا سعيدا ذا الخيانة

والغدر فيصل الفعل إلى المفعول الثاني بحرف جر ثم يجوز أن يحذف الحرف اتساعا فيصل الفعل إلى المفعول الثاني على حد أمرتك الخير ونحوه والصدف والصدف والصدف لغات فاشية قال أبو عبيدة: الصدفان جنبتا الجبل ومن قرأ ائتوني أفرغ عليه قطرا فمعناه جيئوني به كما قلناه في ائتوني زبر الحديد في اتصال الفعل إلى المفعول الثاني بحرف الجر إلا أنه أعمل الفعل الثاني فلو أعمل الفعل الأول لكان ائتوني أفرغه عليه بقطر إلا أن يقدر أن الفعل يصل إلى المفعول الثاني بلا حرف كما كان كذلك في قوله ﴿ائتوني زبر الحديد﴾ وجميع ما مر بنا في التنزيل من هذا النحو إنما هو على إعمال الثاني كما يختاره سيبويه فمن ذلك قوله يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ومنه قوله هاؤم اقرءوا كتابيه ووجه من قرأ ﴿آتوني﴾ إن المعنى ناولوني قطرا أفرغ عليه قطرا إلا أنه أعمل الثاني من الفعلين كما أعمل الثاني من قصر ائتوني وقراءة حمزة ﴿فما اسطاعوا﴾ إنما هو على إدغام التاء في الطاء ولم يلق حركتها على السين فيحرك ما لا يتحرك ولكن أدغم مع أن الساكن الذي قبل المدغم ليس حرف مد وقد قرأت القراء غير حرف من هذا النحو وقد تقدم ذكر وجه هذا النحو ومما يؤكد ذلك أن سيبويه أنشد:

كأنه بعد كلال الزاجر

ومسحه مر عقاب كاسر

والحذف في اسطاعوا والإثبات في استطاعوا كل واحد منهما أحسن من الإدغام على هذا الوجه الذي هو جمع بين السين الساكنة والتاء المدغمة وهي ساكنة أيضا وأما قوله جعله دكا فإنه يحتمل أمرين (أحدهما) أنه لما قال جعله دكا كان بمنزلة خلق وعمل فكأنه قال دكه دكا فحمله على الفعل الذي دل عليه قوله ﴿جعله﴾ والوجه الآخر أن يكون جعله ذا دك فحذف المضاف ويمكن أن يكون حالا في هذا الوجه ومن قرأ ﴿دكاء﴾ فعلى حذف المضاف كأنه جعله مثل دكاء قالوا ناقة دكاء أي لا سنام لها ولا بد من تقدير الحذف لأن الجبل مذكر فلا يوصف بدكاء.

اللغة:

السد وضع ما ينتفي به الخرق يقال سده يسده ومنه سدد السهم لأنه سد عليه طرق الاضطراب ومنه السداد الصواب والردم السد والحاجز يقال ردم فلان موضع كذا يردمه ردما والثوب المردم الخلق المرقع ومنه قول عنترة:

هل غادر الشعراء من متردم

أم هل عرفت الدار بعد توهم

أي هل تركوا من قول يؤلف تأليف الثوب المرقع والزبرة الجملة المجتمعة من الحديد والصفر ونحوهما وأصله الاجتماع ومنه الزبور وزبرت الكتاب إذا كتبته لأنك جمعت حروفه قال أبو عبيدة: القطر الحديد المذاب وأنشد:

حسام كلون الملح صاف حديدة

جراز من أقطار الحديد المنعت

وأصله من القطر لأن الرصاص والحديد إذا أذيب قطر كما يقطر الماء وفي استطاع ثلاث لغات استطاع يستطيع واسطاع يسطيع واستاع يستيع بحذف الطاء استثقلوا اجتماعهما وهما من مخرج واحد فأما اسطاع يسطيع بقطع الألف وهو أطاع أفعل فزادوا السين عوضا من ذهاب حركة الواو لأن أصل أطاع أطوع ومثله أهراق يهريق زادوا الهاء في أراق يريق وليس هذا العوض بلازم أ لا ترى أن ما كان نحوه لم يلزمه هذا العوض.

المعنى:

﴿حتى إذا بلغ بين السدين﴾ ثم أخبر سبحانه عن حال ذي القرنين بعد منصرفه عن المشرق أنه سلك طريقا إلى أن بلغ بين السدين ووصل إلى ما بينهما وهما الجبلان اللذان جعل الردم بينهما وهو الحاجز بين يأجوج ومأجوج ومن وراءهم عن ابن عباس وقتادة والضحاك وقيل أراد بالسدين الموضع الذي فيه السدان اليوم لأنه لو كان هناك سد لم يكن لطلبهم السد معنى والسد الموضع المسدود لا المنفتح ﴿وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا﴾ أي خصوا بلغة كادوا لا يعرفون غيرها قال ابن عباس: كادوا لا يفقهون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم وإنما قال ﴿لا يكادون﴾ لأنهم فهموا بعض الأشياء عنهم وإن كان بعد شدة ولذلك حكى الله عنهم أنهم ﴿قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض﴾ ويجوز أن يكون الله سبحانه فهم ذا القرنين لسانهم كما فهم سليمان (عليه السلام) منطق الطير أو قالوا له بترجمان أن يأجوج ومأجوج مفسدون في أرضهم وفسادهم أنهم كانوا يخرجون فيقتلونهم ويأكلون لحومهم ودوابهم وقيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يدعون شيئا أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا احتملوه عن الكلبي وقيل أرادوا أنهم سيفسدون في المستقبل عند خروجهم وورد في الخبر عن حذيفة قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن يأجوج ومأجوج فقال يأجوج أمة ومأجوج أمة كل أمة أربعمائة أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كل قد حمل السلاح قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز قلت يا رسول الله وما الأرز قال شجر بالشام طوال وصنف منهم طولهم وعرضهم سواء وهؤلاء الذين لا يقوم لهم خيل ولا حديد وصنف منهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى ولا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية قال وهب ومقاتل أنهم من ولد يافث بن نوح أبي الترك وقال السدي الترك سرية من يأجوج ومأجوج خرجت تغير فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت خارجة وقال قتادة إن ذا القرنين بنى السد على إحدى وعشرين قبيلة وبقيت منهم قبيلة دون السد فهم الترك وقال كعب هم نادرة في ولد بني آدم وذلك أن آدم (عليه السلام) احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم وهذا بعيد وقوله ﴿فهل نجعل لك خرجا﴾ أو خراجا معناه فهل نجعل لك بعضا من أموالنا ﴿على أن تجعل بيننا وبينهم سدا﴾ أي حائطا وقيل في الفرق بين الخرج والخراج أن الخراج اسم لما يخرج من الأرض والخرج اسم لما يخرج من المال وقيل الخراج الغلة والخرج الأجرة وقيل الخراج ما يؤخذ عن الأرض والخرج ما يؤخذ عن الرقاب قاله أبو عمرو وقيل الخراج ما يؤخذ في كل سنة والخرج ما يؤخذ دفعة عن تغلب ﴿قال﴾ ذو القرنين ﴿ما مكني فيه ربي خير﴾ أي أعطاني ربي من المال ومكني فيه من الاتساع في الدنيا خير مما عرضتموه علي من الأجر ﴿فأعينوني بقوة﴾ أي برجال فيكون معناه بقوة الأبدان وقيل بعمل تعملونه معي عن الزجاج وقيل بآلة العمل وذلك زبر الحديد والصفر ﴿أجعل بينكم وبينهم ردما﴾ أي سدا وحاجزا قال ابن عباس: الردم أشد الحجاب وقيل هو السد المتراكب بعضه على بعض ﴿آتوني زبر الحديد﴾ أي أعطوني قطع الحديد أو جيئوا بقطع الحديد على القراءة الأخرى وفي الكلام حذف وهو أنهم أتوه بما طلبه منهم من زبر الحديد ليعمل الردم في وجوه يأجوج ومأجوج فبناه ﴿حتى إذا ساوى بين الصدفين﴾ أي سوى بين جانبي الجبل بما جعل بينهما من الزبر قال الأزهري: يقال لجانبي الجبل صدفان لتصادفهما أي تحاذيهما وتلاقيهما وقيل هما جبلان كل واحد منهما منعدل عن الآخر كأنه قد صدف عنه وقوله ﴿قال انفخوا﴾ معناه قال ذو القرنين انفخوا النار على الزبر أمرهم أن يؤتى بمنافخ الحدادين فينفخوا في نار الحديد التي أوقدت فيه ﴿حتى إذا جعله نارا﴾ أي حتى إذا جعل الحديد كالنار في منظره من الحمي واللهب فصار قطعة واحدة لزم بعضها بعضا ﴿قال آتوني أفرغ عليه قطرا﴾ أي أعطوني نحاسا مذابا أو صفرا مذابا أو حديدا مذابا أصبه على السدين الجبلين حتى ينسد الثقب الذي فيه ويصير جدارا مصمتا فكانت حجارته الحديد وطينه النحاس الذائب عن ابن عباس ومجاهد والضحاك قال قتادة: فهو كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء ﴿فما اسطاعوا أن يظهروه﴾ معناه فلما تم لم يستطع يأجوج ومأجوج أن يعلوه ويصعدوه يقال ظهرت السطح إذا علوته ﴿وما استطاعوا له نقبا﴾ أي ولم يستطيعوا أن ينقبوا أسفله لكثافته وصلابته ونفي بذلك كل عيب يكون في السد وقيل أن هذا السد وراء بحر الروم بين جبلين هناك يلي مؤخرهما البحر المحيط وقيل أنه وراء دربند وخزران من ناحية أرمينية وأذربيجان وقيل أن مقدار ارتفاع السد مائتا ذراع وعرض الحائط نحو من خمسين ذراعا ﴿قال﴾ ذو القرنين ﴿هذا رحمة من ربي﴾ أي هذا السد نعمة من الله لعباده أنعم بها عليهم في دفع شر يأجوج ومأجوج عنهم ﴿فإذا جاء وعد ربي﴾ يعني إذا جاء وقت أشراط الساعة ووقت خروجهم الذي قدره الله تعالى ﴿جعله دكاء﴾ أي جعل السد أرضا مستويا مع الأرض مدكوكا أو ذا دك وإنما يكون ذلك بعد قتل عيسى بن مريم الدجال عن ابن مسعود وجاء في الحديث أنهم يدأبون في حفرة نهارهم حتى إذا أمسوا وكادوا يبصرون شعاع الشمس قالوا نرجع غدا ونفتحه ولا يستثنون فيعودون من الغد وقد استوى كما كان حتى إذا جاء وعد الله قالوا غدا نفتح ونخرج إن شاء الله فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه بالأمس فيخرقونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه ويتحصن الناس في حصونهم منهم فيرمون سهامهم إلى السماء فترجع وفيها كهيئة الدماء فيقولون قد قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيدخل في آذانهم فيهلكون بها فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): والذي نفس محمد بيده أن دواب الأرض لتسمن وتسكر من لحومهم سكرا وفي تفسير الكلبي أن الخضر واليسع يجتمعان كل ليلة على ذلك السد يحجبان يأجوج ومأجوج عن الخروج ﴿وكان وعد ربي حقا﴾ أي وكان ما وعد الله بأن يفعله لا بد من كونه فإنه حق إذ لا يجوز أن يخلف وعده.