الآيات 22-31

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴿22﴾ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ ﴿23﴾ فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ﴿24﴾ أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ﴿25﴾ سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ﴿26﴾ إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ﴿27﴾ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ ﴿28﴾ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ ﴿29﴾ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴿30﴾ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ﴿31﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر وحمزة ستعلمون بالتاء والباقون بالياء وفي الشواذ قراءة أبي السماك أ بشر منا بالرفع واحدا نتبعه بالنصب وقراءة أبي قلابة الكذاب الأشر بالتشديد وقراءة مجاهد الأشر بضم الشين خفيفة وقراءة الحسن كهشيم المحتظر بفتح الظاء.

الحجة:

قال أبو علي وجه الياء أن قبله غيبة وهو قوله ﴿فقالوا أبشرا منا﴾ ﴿سيعلمون﴾ ووجه التاء على أنه قيل لهم ستعلمون وقال ابن جني قوله ﴿أبشر﴾ عندي مرفوع بفعل يدل عليه قوله ﴿أألقي الذكر عليه﴾ فكأنه قال أيبعث بشر منا فأما انتصاب واحدا فإن شئت جعلته حالا من الضمير في قوله ﴿منا﴾ أي ينبأ بشر كائن منا والناصب لهذه الحال الظرف كقولك زيد في الدار جالسا وإن شئت جعلته حالا من الضمير في قوله ﴿نتبعه﴾ أي نتبعه واحدا أي منفردا لا ناصر له وقوله ﴿الأشر﴾ بتشديد الراء هو الأصل المرفوض لأن أصل قولهم هذا خير منه وشر منه هذا أخير منه وهذا أشر منه فكثر استعمال هاتين الكلمتين فحذفت الهمزة منهما وأما الأشر فإنه مما جاء على فعل وفعل من الصفات كحذر وحذر ويقظ ويقظ ووطف ووطف وعجز وعجز وأما المحتظر فإنه مصدر أي كهشيم الاحتظار كقولك كأجر البناء وخشب النجارة ويجوز أن يكون المحتظر الشجر أي كهشيم الشجر المتخذة منه الحظيرة أي كما تتهافت من الشجر المجعول حظيرة والهشيم ما تهشم منه وانتثر.

اللغة:

السعر جمع سعير وهو النار المسعرة والسعر الجنون يقال ناقة مسعورة إذا كانت كان بها جنونا وسعر فلان جنونا وأصله التهاب الشيء والتعاطي التناول والمحتظر الذي يعمل الحظيرة على بستانه أو غنمه وهو المنع من الفعل.

الإعراب:

﴿أبشرا﴾ منصوب بفعل مضمر الذي ظهر تفسيره وتقديره أنتبع بشرا منا وقوله ﴿منا﴾ صفة أي أبشرا كائنا منا وواحدا صفة بعد صفة والبشر يقع على الواحد والجمع وقوله ﴿من بيننا﴾ في محل النصب على الظرف وفتنة منصوب بأنه مفعول له ويجوز أن يكون مصدرا وضع موضع الحال أي فاتنين لهم.

المعنى:

ثم أقسم سبحانه فقال ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر﴾ قد فسرناه وقيل أنه سبحانه إنما أعاد ذكر التيسير لينبىء أنه يسره على كل حال وكل وجه من وجوه التيسير فمن الوجوه التي يسر الله تعالى بها القرآن هو أن أبان عن الحكم الذي يعمل عليه والمواعظ التي يرتدع بها والمعاني التي تحتاج إلى التنبيه عليها والحجج التي يميز بها بين الحق والباطل عن علي بن عيسى ﴿كذبت ثمود بالنذر﴾ أي بالإنذار الذي جاءهم به صالح ومن قال إن النذر جمع نذير قال معناه أنهم كذبوا الرسل بتكذيبهم صالحا لأن تكذيب واحد من الرسل كتكذيب الجميع لأنهم متفقون في الدعاء إلى التوحيد وإن اختلفوا في الشرائع ﴿فقالوا أ بشرا منا واحدا نتبعه﴾ أي أنتبع آدميا مثلنا وهو واحد ﴿إنا إذا لفي ضلال﴾ أي نحن إن فعلنا ذلك في خطإ وذهاب عن الحق ﴿وسعر﴾ أي وفي عناء وشدة عذاب فيما يلزمنا من طاعته عن قتادة وقيل في جنون عن ابن عباس في رواية عطاء والفائدة في الآية بيان شبهتهم الركيكة التي حملوا أنفسهم على تكذيب الأنبياء من أجلها وهي أن الأنبياء ينبغي أن يكونوا جماعة وذهب عليهم أن الواحد من الخلق يصلح لتحمل أعباء الرسالة وإن لم يصلح له غيره من جهة معرفته بربه وسلامة ظاهره وباطنه وقيامه بما كلف من الرسالة ﴿أألقي الذكر عليه من بيننا﴾ هذا استفهام إنكار وجحود أي كيف ألقي الوحي عليه وخص بالنبوة من بيننا وهو واحد منا ﴿بل هو كذاب﴾ فيما يقول ﴿أشر﴾ أي بطر متكبر يريد أن يتعظم علينا بالنبوة ثم قال سبحانه ﴿سيعلمون غدا من الكذاب الأشر﴾ وهذا وعيد لهم أي سيعلمون يوم القيامة إذا نزل بهم العذاب أهو الكذاب أم هم في تكذيبه وهو الأشر البطر أم هم فذكر مثل لفظهم مبالغة في توبيخهم وتهديدهم وإنما قال ﴿غدا﴾ على وجه التقريب على عادة الناس في ذكرهم الغد والمراد به العاقبة قالوا إن مع اليوم غدا ﴿إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم﴾ أي نحن باعثو الناقة بإنشائها على ما طلبوها معجزة لصالح وقطعا لعذرهم وامتحانا واختبارا لهم وهاهنا حذف وهو أنهم تعنتوا على صالح فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقة حمراء عشراء تضع ثم ترد ماءهم فتشربه ثم تعود عليهم بمثله لبنا فقال سبحانه إنا باعثوها كما سألوها فتنة لهم عن ابن عباس ﴿فارتقبهم﴾ أي انتظر أمر الله فيهم وقيل فارتقبهم أي انتظر ما يصنعون ﴿واصطبر﴾ على ما يصيبك من الأذى حتى يأتي أمر الله فيهم ﴿ونبئهم﴾ أي أخبرهم ﴿أن الماء قسمة بينهم﴾ يوم للناقة ويوم لهم ﴿كل شرب محتضر﴾ أي كل نصيب من الماء يحضره أهله لا يحضر آخر معه ففي يوم الناقة تحضره الناقة وفي يومهم يحضرونه هم وحضر واحتضر بمعنى واحد وإنما قال قسمة بينهم تغليبا لمن يعقل والمعنى يوم لهم ويوم لها وقيل إنهم كانوا يحضرون الماء إذا غابت الناقة ويشربونه وإذا حضرت حضروا اللبن وتركوا الماء لها عن مجاهد ﴿فنادوا صاحبهم﴾ أي دبروا في أمر الناقة بالقتل فدعوا واحدا من أشرارهم وهو قدار بن سالف عاقر الناقة ﴿فتعاطى فعقر﴾ أي تناول الناقة بالعقر فعقرها وقيل أنه كمن لها في أصل صخرة فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها وكان يقال له أحمر ثمود وأحيمر ثمود قال الزجاج والعرب تغلط فتجعله أحمر عاد فتضرب به المثل في الشؤم قال زهير:

وتنتج لكم غلمان أشأم كلهم

كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم

﴿فكيف كان عذابي ونذر﴾ أي فانظر كيف أهلكتهم وكيف كان عذابي لهم وإنذاري إياهم ﴿إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة﴾ يريد صيحة جبرائيل (عليه السلام) عن عطاء وقيل الصيحة العذاب ﴿فكانوا كهشيم المحتظر﴾ أي فصاروا كهشيم وهو حطام الشجر المنقطع بالكسر والرض الذي يجمعه صاحب الحظيرة الذي يتخذ لغنمه حظيرة تمنعها من برد الريح والمعنى أنهم بادوا وهلكوا فصاروا كيبيس الشجر المفتت إذا تحطم عن ابن عباس وقيل معناه صاروا كالتراب الذي يتناثر من الحائط فتصيبه الرياح فيتحظر مستديرا عن سعيد بن جبير.