الآيات 11-21

فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ ﴿11﴾ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴿12﴾ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ﴿13﴾ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ ﴿14﴾ وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴿15﴾ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴿16﴾ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴿17﴾ كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴿18﴾ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ ﴿19﴾ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ ﴿20﴾ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴿21﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر وابن عامر ويعقوب ففتحنا بالتشديد والباقون بالتخفيف.

الحجة:

وجه التخفيف أن فعلنا بالتخفيف يدل على القليل والكثير ووجه التثقيل أنه يخص الكثير ويقويه قوله ﴿مفتحة لهم الأبواب﴾.

اللغة:

الهمر صب الدمع والماء بشدة والانهمار الانصباب قال امرؤ القيس:

راح تمريه الصبا ثم انتحى

فيه شؤبوب جنوب منهمر

والتفجير تشقيق الأرض عن الماء والعيون جمع عين الماء وهو ما يفور من الأرض مستديرا كاستدارة عين الحيوان فالعين مشتركة بين عين الحيوان وعين الماء وعين الذهب وعين السحاب وعين الركبة والدسر المسامير التي تشد بها السفينة واحدها دسار ودسير ودسرت السفينة أدسرها دسرا إذا شددتها وقيل إن أصل الباب الدفع يقال دسره بالرمح إذا دفعه بشدة والدسر صدر السفينة لأنه يدسر به الماء أي يدفع ومنه الحديث في العنبر هو شيء دسره البحر ومدكر أصله مذتكر فقلبت التاء دالا لتواخي الذال بالجهر ثم أدغمت الذال فيها والنذر اسم من الإنذار يقوم مقام المصدر يقال أنذره نذرا بمعنى إنذارا ومثله أنزله نزلا بمعنى إنزالا ويجوز أن يكون جمع نذير والصرصر الريح الشديدة الهبوب حتى يسمع صوتها وهو مضاعف صر يقال صر وصرصر وكب وكبكب ونه ونهنه والمستمر الجاري على طريقة واحدة وأعجاز النخل أسافله والنخل يذكر ويؤنث والمنقعر المنقلع عن أصله لأن قعر الشيء قراره وتقعر في كلامه تقعرا إذا تعمق.

الإعراب:

عيونا نصب على التمييز أو الحال والأصل وفجرنا عيون الأرض والمعنى وفجرنا جميع الأرض عيونا ويجوز أن يكون تقديره بعيون فحذف الجار ويجوز أن يكون التقدير وفجرنا من الأرض عيونا وقوله ﴿على أمر﴾ في موضع نصب على الحال وقوله ﴿بأعيننا﴾ في موضع نصب بأنه ظرف مكان جزاء منصوب بأنه مفعول له ويجوز أن يكون مصدرا وضع موضع الحال والمعنى فعلنا ذلك مجازين جزاء وآية منصوبة على الحال من الهاء في تركناها.

المعنى:

ثم بين سبحانه إجابته لدعاء نوح (عليه السلام) فقال ﴿ففتحنا أبواب السماء﴾ هاهنا حذف معناه فاستجبنا لنوح دعاءه ففتحنا أبواب السماء أي أجرينا الماء من السماء كجريانه إذا فتح عنه باب كان مانعا له وذلك من صنع الله الذي لا يقدر عليه سواه وجاز ذلك على طريق البلاغة ﴿بماء منهمر﴾ أي منصب انصبابا شديدا لا ينقطع ﴿وفجرنا الأرض عيونا﴾ أي شققنا الأرض بالماء عيونا حتى جرى الماء على وجه الأرض ﴿فالتقى الماء﴾ يعني فالتقى الماءان: ماء السماء وماء الأرض وإنما لم يثن لأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير ﴿على أمر قد قدر﴾ فيه هلاك القوم أي على أمر قد قدره الله تعالى وهو هلاكهم وقيل على أمر قد قدره الله تعالى وعرف مقداره فلا زيادة فيه ولا نقصان وقيل معناه أنه كان قدر ماء السماء مثل ما قدر ماء الأرض عن مقاتل وقيل معناه على أمر قدر عليهم في اللوح المحفوظ ﴿وحملناه على ذات ألواح﴾ أي وحملنا نوحا على سفينة ذات ألواح مركبة بعضها إلى بعض وألواحها خشباتها التي منها جمعت ﴿ودسر﴾ أي مسامير شدت بها السفينة عن ابن عباس وقتادة وابن زيد وقيل هو صدر السفينة يدسر بها الماء عن الحسن وجماعة وقيل هي أضلاع السفينة عن مجاهد وقيل الدسر طرفاها وأصلها والألواح جانباها عن الضحاك ﴿تجري﴾ السفينة في الماء ﴿بأعيننا﴾ أي بحفظنا وحراستنا وبمرأى منا ومنه قولهم عين الله عليك وقيل معناه بأعين أوليائنا ومن وكلناهم بها من الملائكة وقيل معناه تجري بأعين الماء التي اتبعناها ﴿جزاء لمن كان كفر﴾ أي فعلنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم ثوابا لمن كان قد كفر به وجحد أمره وهو نوح (عليه السلام) والتقدير لمن جحد نبوته وأنكر حقه وكفر بالله فيه ﴿ولقد تركناها﴾ أي تركنا هذه الفعلة التي فعلناها ﴿آية﴾ أي علامة يعتبر بها وقيل معناه تركنا السفينة ونجاة من فيها وإهلاك الباقين دلالة باهرة على وحدانية الله تعالى وعبرة لمن اتعظ بها وكانت السفينة باقية حتى رآها أوائل هذه الأمة عن قتادة وقيل في كونها آية أنها كانت تجري بين ماء السماء وماء الأرض وقد كان غطاها على ما أمر الله تعالى ﴿فهل من مدكر﴾ أي متذكر يعلم أن ذلك حق فيعتبر به ويخاف وقيل معناه فهل من طالب علم فيعان عليه عن قتادة ﴿فكيف كان عذابي ونذر﴾ هذا استفهام عن تلك الحالة ومعناه التعظيم لذلك العذاب أي كيف رأيتم انتقامي منهم وإنذاري إياهم وقال الحسن النذر جمع نذير وإنما كرر سبحانه هذا القول في هذه السورة لأنه سبحانه لما ذكر أنواع الإنذار والعذاب عقد التذكير بشيء منه على التفصيل ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر﴾ أي سهلناه للحفظ والقراءة حتى يقرأ كله ظاهرا وليس من كتب الله المنزلة كتاب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن عن سعيد بن جبير والتيسير للشيء هو تسهيله بما ليس فيه كثير مشقة على النفس فمن سهل له طريق العلم فهو حقيق بأخذ الحظ الجزيل منه لأن التسهيل أكبر داع إليه وتسهيل القرآن للذكر هو خفة ذلك على النفس بحسن البيان وظهور البرهان في الحكم السنية والمعاني الصحيحة الموثوق بها لمجيئها من قبل الله تعالى وإنما صار الذكر من أجل ما يدعى إليه ويحث عليه لأنه طريق العلم لأن الساهي عن الشيء أو عن دليله لا يجوز أن يعلمه في حال سهوه فإذا تذكر الدلائل عليه والطرق المؤدية إليه تعرض لعلمه من الوجه الذي ينبغي له ﴿فهل من مدكر﴾ أي متعظ معتبر به ناظر فيه ثم قال سبحانه ﴿كذبت عاد﴾ أي بالرسول الذي بعثه الله إليهم وهو هود (عليه السلام) فاستحقوا الهلاك فأهلكهم ﴿فكيف كان عذابي﴾ لهم ﴿ونذر﴾ أي وإنذاري إياهم ثم بين كيفية إهلاكهم فقال ﴿إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا﴾ أي شديدة الهبوب عن ابن زيد وقيل باردة عن ابن عباس وقتادة من الصر وهو البرد ﴿في يوم نحس﴾ أي في يوم شؤم ﴿مستمر﴾ أي دائم الشؤم استمر عليهم بنحوسته سبع ليال وثمانية أيام حتى أتت عليهم ومستمر من صفة اليوم أي يوم مستمر ضرره عام هلاكه وقيل هو نعت للنحس أي استمر بهم العذاب والنحس في الدنيا حتى اتصل بالعقبى قال الزجاج وقيل أنه كان في يوم الأربعاء في آخر الشهر لا تدور رواه العياشي بالإسناد عن أبي جعفر (عليه السلام) ﴿تنزع الناس﴾ أي تقتلع هذه الريح الناس ثم ترمي بهم على رءوسهم فتدق رقابهم فيصيرون ﴿كأنهم أعجاز نخل منقعر﴾ أي أسافل نخل منقلع لأن رءوسهم سقطت عن أبدانهم عن مجاهد وقيل معناه تنزع الناس من حفر حفروها ليمتنعوا بها عن الريح وقيل معناه تنزع أرواح الناس عن الحسن ﴿فكيف كان عذابي ونذر﴾ وهو تعظيم للعذاب النازل بهم وتخويف لكفار مكة.