الآيات 17-33

إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴿17﴾ وَلَا يَسْتَثْنُونَ ﴿18﴾ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴿19﴾ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴿20﴾ فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ ﴿21﴾ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ ﴿22﴾ فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ﴿23﴾ أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ ﴿24﴾ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ ﴿25﴾ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ﴿26﴾ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴿27﴾ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴿28﴾ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿29﴾ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ﴿30﴾ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ﴿31﴾ عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴿32﴾ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿33﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وأبو عمرو أن يبدلنا بالتشديد والباقون بالتخفيف وقد مر ذكره في سورة الكهف.

اللغة:

الصرم والجداد في النخل بمنزلة الحصاد والقطاف في الزرع والكرم يقال صرمت النخلة وجددتها وأصرم النخل وأجدت حان ذلك منها والصريم الليل الأسود وأنشد أبو عمرو:

ألا بكرت وعاذلتي تلوم

تجهلني وما انكشف الصريم

وقال الآخر:

تطاول ليلك الجون البهيم

فما ينجاب عن صبح صريم

إذا ما قلت أقشع أو تناهى

جرت من كل ناحية غيوم

ويسمى النهار أيضا صريما فهو من الأضداد لأن الليل ينصرم عند مجيء النهار والنهار ينصرم عند مجيء الليل والصريم أيضا المصروم أي صرم جميع ثمارها وقيل الصريم منقطع الرمل الذي لا نبات فيه قال امرؤ القيس:

وظل لصيران الصريم غماغم

تدعسها بالسمهري المغلب

والطائف الطارق بالليل وإذا قيل طاف به صلح في الليل والنهار وأنشد الفراء:

أطفت بها نهارا غير ليل

وألهى ربها طلب الرخال

والرخال الإناث من أولاد الضأن واحدتها رخل والحرد المنع من قولهم حاردت السنة إذا منعت قطرها وحاردت الناقة إذا منعت لبنها قال الكميت:

وحاردت المكد الجلاد ولم يكن

بعقبة قدر المستعيرين معقب

ويروى النكد وهي النوق الغزيرات الألبان وقيل إن أصل الحرد القصد قال:

أقبل سيل جاء من عند الله

يحرد حرد الجنة المغلة

أي يقصد وحرد يحرد حردا وقيل الحرد الغضب والحنق قال الأشهب بن رميلة:

أسود شرى لاقت أسود خفية

تساقوا على حرد دماء الأساود

المعنى:

ثم قال سبحانه ﴿إنا بلوناهم﴾ يعني أهل مكة أي اختبرناهم بالجوع والقحط ﴿كما بلونا أصحاب الجنة﴾ أي البستان الذي فيه الشجر قال سعيد بن جبير وهذه الجنة حديقة كانت باليمن في قرية يقال لها صروان بينها وبين صنعاء اثنا عشر ميلا كانت لشيخ وكان يمسك منها قدر كفايته وكفاية أهله ويتصدق بالباقي فلما مات قال بنوه نحن أحق بها لكثرة عيالنا ولا يسعنا أن نفعل كما فعل أبونا وعزموا على حرمان المساكين فصارت عاقبتهم إلى ما قص الله تعالى في كتابه وهو قوله ﴿إذ أقسموا﴾ أي حلفوا فيما بينهم ﴿ليصرمنها مصبحين﴾ أي ليقطعن ثمرتها إذا دخلوا في وقت الصباح ﴿ولا يستثنون﴾ أي غير مستثنين في أيمانهم فلم يقولوا إن شاء الله فإن قول القائل لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله استثناء ومعناه إلا أن يشاء الله منعي أو تمكين مانعي ﴿فطاف عليها طائف من ربك﴾ أي أحاطت بها النار فاحترقت عن ابن عباس وقيل معناه طرقها طارق من أمر الله عن قتادة ﴿وهم نائمون﴾ أي في حال نومهم قال مقاتل بعث الله نارا بالليل على جنتهم فأحرقتها حتى صارت مسودة فذلك قوله ﴿فأصبحت كالصريم﴾ أي كالليل المظلم والصريمان الليل والنهار لانصرام إحداهما من الآخر عن ابن عباس وأبي عمرو بن العلاء وقيل الصريم المصروم ثماره أي المقطوع والمعنى أنها صارت كأن جميع ثمارها قطعت عن الجبائي وقيل الصريم الذي صرم عنه الخير فليس فيه شيء منه عن الحسن وقيل كالصريم أي كالرملة انصرمت عن معظم الرمل عن مؤرج وقيل كالرماد الأسود بلغة خزيمة ﴿فتنادوا مصبحين﴾ أي نادى بعضهم بعضا وقت الصباح وأصل التنادي من الندى بالقصر لأن النداء الدعاء بندى الصوت الذي يمتد على طريقة يا فلان لأن الصوت إنما يمتد للإنسان بندى حلقه ﴿أن اغدوا على حرثكم﴾ أي تنادوا بأن غدوا معناه قال بعضهم لبعض اغدوا على حرثكم والحرث الزروع والأعناب ﴿إن كنتم صارمين﴾ أي قاطعين النخل ﴿فانطلقوا﴾ أي فمضوا إليها ﴿وهم يتخافتون﴾ أي يتسارون بينهم وأصله من خفت فلان يخفت إذا أخفى نفسه ﴿أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين﴾ هذا ما كانوا يتخافتون به ﴿وغدوا على حرد﴾ أي على قصد منع الفقراء ﴿قادرين﴾ عند أنفسهم وفي اعتقادهم على منعهم وإحراز ما في جنتهم وقيل على حرد أي على جد وجهد من أمرهم عن مجاهد وقتادة وأبي العالية وقيل على جد في المنع عن أبي عبيدة وقيل على حنق وغضب من الفقراء عن سفيان وقيل قادرين مقدرين موافاتهم في الجنة في الوقت الذي قدروا إصرامها فيه وهو وقت الصبح والتقدير قصدوا الجنة للوقت الذي قدروا إصرامها فيه عن أبي مسلم ﴿فلما رأوها﴾ أي رأوا الجنة على تلك الصفة ﴿قالوا إنا الضالون﴾ ضللنا عن الطريق فليس هذا بستاننا عن قتادة وقيل معناه إنا لضالون عن الحق في أمرنا فلذلك عوقبنا بذهاب ثمر جنتنا ثم استدركوا فقالوا ﴿بل نحن محرومون﴾ والمعنى أن هذه جنتنا ولكن حرمنا نفعها وخيرها لمنعنا حقوق المساكين وتركنا الاستثناء ﴿قال أوسطهم﴾ أي أعدلهم قولا عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقيل معناه أفضلهم وأعقلهم وقيل أوسطهم في السن ﴿ألم أقل لكم لو لا تسبحون﴾ كأنه كان حذرهم سوء فعالهم قال لو لا تستثنون عن مجاهد لأن في الاستثناء التوكل على الله والتعظيم لله والإقرار بأنه لا يقدر أحد على فعل شيء إلا بمشيئة الله فلذلك سماه تسبيحا وقيل معناه هلا تعظمون الله بعبادته واتباع أمره وقيل معناه هلا تذكرون نعم الله عليكم فتؤدوا شكرها بأن تخرجوا حق الفقراء من أموالكم وقيل معناه هلا نزهتم الله تعالى عن الظلم واعترفتم بأنه لا يظلم ولا يرضى منكم بالظلم وقيل معناه لم لا تصلون ثم حكى عنهم أنهم ﴿قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين﴾ في عزمنا على حرمان المساكين من حصتهم عند الصرام فحرمنا قطعها وبالانتفاع بها والمعنى أنه سبحانه منزه عن الظلم فلم يفعل بنا ما فعله ظلما وإنما الظلم وقع منا حيث منعنا الحق ﴿فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون﴾ أي يلوم بعضهم بعضا على ما فرط منهم ﴿قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين﴾ قد غلونا في الظلم وتجاوزنا الحد فيه والويل غلظ المكروه الشاق على النفس والويس دونه والويح بينهما قال عمرو بن عبيد يجوز أن يكون ذلك منهم توبة ويجوز أن يكون على حد ما يقول الكافر إذا وقع في الشدة ﴿عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها﴾ أي لما تابوا ورجعوا إلى الله قالوا لعل الله يخلف علينا ويولينا خيرا من الجنة التي هلكت ﴿إنا إلى ربنا راغبون﴾ أي نرغب إلى الله ونسأله ذلك ونتوب إليه مما فعلناه وقرىء يبدلنا بالتشديد والتخفيف ومعناهما واحد ﴿كذلك العذاب﴾ في الدنيا للعاصين ﴿ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون﴾ والأكبر هو الذي يصغر مقدار غيره بالإضافة إليه وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله تعالى منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا وقال أبو خالد اليمامي رأيت تلك الجنة ورأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم.