الآيات 1-16
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴿1﴾ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴿2﴾ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴿3﴾ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴿4﴾ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ﴿5﴾ بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ ﴿6﴾ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴿7﴾ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ﴿8﴾ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴿9﴾ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ ﴿10﴾ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ ﴿11﴾ مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴿12﴾ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴿13﴾ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ﴿14﴾ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿15﴾ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ﴿16﴾
القراءة:
مضى ذكر اختلاف القراء في إظهار النون وإخفائها من نون في سورة ياسين فلا وجه لإعادته وقرأ أبو جعفر وابن عامر ويعقوب وسهل آن كان بهمزة واحدة ممدودة على الاستفهام وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة أ إن كان بهمزتين وقرأ الباقون ﴿أن كان﴾ بفتح الهمزة من غير استفهام.
الحجة:
قال أبو علي ﴿أن كان ذا مال﴾ لا يخلو من أن يكون العامل فيه تتلى من قوله ﴿إذا تتلى عليه آياتنا﴾ أو قال من قوله ﴿قال أساطير الأولين﴾ أو شيء ثالث فلا يجوز أن يعمل واحد منهما فيه أ لا ترى أن تتلى قد أضيفت إذا إليه والمضاف إليه لا يعمل فيما قبله لا تقول القتال زيدا حين يأتي ولا يجوز أن يعمل فيه قال أيضا لأن قال جواب إذا وحكم الجواب أن يكون بعد ما هو جواب له ولا يتقدم عليه فكما لا يعمل فيه الفعل الأول فكذلك لا يعمل فيه الثاني فإذا لم يعمل فيه واحد من هذين الفعلين وليس في الكلام غيرهما علمت أنه محمول على شيء آخر مما دل باقي الكلام عليه والذي يدل عليه هذا الكلام من المعنى هو يجحد أو يكفر أو يستكبر عن قبول الحق ونحو ذلك وإنما جاز أن يعمل فيه المعنى وإن كان متقدما عليه لشبهه بالظرف والظرف قد تعمل فيه المعاني وإن تقدم عليه ويدلك على مشابهته الظرف تقدير اللام معه وإن من النحويين من يقول أنه في موضع جر كما أنه لو كانت اللام معه ظاهرة كان كذلك ومن قرأ بهمزة ممدودة فإنه يزيد همزة بعدها همزة مخففة.
اللغة:
السطر الكتابة وهو وضع الحروف على خط مستقيم واستطر اكتتب والمسطر آلة التسطير والممنون المقطوع يقال منه السير يمنه منا إذا قطعه والمنين الضعيف والخلق المرور في الفعل على عادة فالخلق الكريم الصبر على الحق وتدبير الأمور على مقتضى العقل وفي ذلك الأناة والرفق والحلم والمداراة والمفتون المبتلى بتخبيل الرأي كالمجنون يقال فتن فلان بفلانة وأصل الفتنة الابتلاء والاختبار والمهين الضعيف الذليل والمهانة الذلة والقلة والهماز الوقاع في الناس بما ليس له أن يعيبهم به والأصل فيه الدفع بشدة اعتماد ومنه الهمزة حرف من الحروف المعجمة فهي نبرة تخرج من الصدر بشدة اعتماد والنميم التضريب بين الناس بنقل الكلام الذي يغيظ بعضهم على بعض والنميم والنميمة بمعنى ومنه النمام المشموم لأنه بحدة ريحه كالمخبر عن نفسه والعتل الجافي الغليظ وأصله الدفع عتله يعتله إذا زعزعه بغلظة وجفاء والزنيم الدعي الملصق بالقوم وليس منهم وأصله الزنمة وهي الهنية المتدلية تحت حلق الجدي ويقال للتيس له زنمتان قال الشاعر:
زنيم ليس يعرف من أبوه
بغي الأم ذو حسب لئيم
وقال حسان:
وأنت زنيم نيط في آل هاشم
كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
ويقال وسمه يسمه وسما وسمة والخرطوم ما نتا من الأنف وهو الذي يقع به الشم ومنه قيل خرطوم الفيل وخرطمه إذا قطع أنفه.
الإعراب:
﴿بأيكم المفتون﴾ فيه وجوه (أحدها) أن المفتون مصدر بمعنى الفتنة كما يقال ليس له معقول وما له محصول قال الراعي:
حتى إذا لم يتركوا لعظامه
لحما ولا لفؤاده معقولا
(وثانيها) أن يكون المفتون اسم المفعول والباء مزيدة والتقدير أيكم المفتون ويكون مبتدأ وخبرا وتكون الجملة معلقة بقوله ﴿يبصرون﴾ (وثالثها) أن الباء بمعنى في والمعنى في أيكم المفتون أي في أي الفريقين في فرقة الإسلام أو في فرقة الكفر المجنون وهذا قول الفراء وقال الراجز في زيادة الباء:
نحن بني جعدة أصحاب الفلج
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
أي ونرجو الفرج.
المعنى:
﴿ن﴾ اختلفوا في معناه فقيل هو اسم من أسماء السورة مثل حم وص وما أشبه ذلك وقد ذكرنا ذلك مع غيره من الأقوال في مفتتح سورة البقرة وقيل هو الحوت الذي عليه الأرضون عن ابن عباس ومجاهد ومقاتل والسدي وقيل هو حرف من حروف الرحمن في رواية أخرى عن ابن عباس وقيل هو الدواة عن الحسن وقتادة والضحاك وقيل نون لوح من نور وروي مرفوعا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيل هو نهر في الجنة قال الله له كن مدادا فجمد وكان أبيض من اللبن وأحلى من الشهد ثم قال للقلم اكتب فكتب القلم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وقيل المراد به الحوت في البحر وهو من آيات الله إذ خلقها في الماء فإذا فارق الماء مات كما أن حيوان البر إذا خالط الماء مات ﴿والقلم﴾ الذي يكتب به أقسم الله به لمنافع الخلق فيه إذ هو أحد لساني الإنسان يؤدي عنه ما في جنانه ويبلغ البعيد عنه ما يبلغ القريب بلسانه وبه تحفظ أحكام الدين وبه تستقيم أمور العالمين وقد قيل إن البيان بيانان بيان اللسان وبيان البنان وبيان اللسان تدرسه الأعوام وبيان الأقلام باق على مر الأيام وقيل إن قوام أمور الدين والدنيا بشيئين القلم والسيف والسيف تحت القلم وقد نظمه بعض الشعراء وأحسن فيما قال:
إن يخدم القلم السيف الذي خضعت
له الرقاب ودانت حذره الأمم
فالموت والموت شيء لا يغالبه
ما زال يتبع ما يجري به القلم
كذا قضى الله للأقلام مذ بريت
إن السيوف لها مذ أرهفت خدم
﴿وما يسطرون﴾ أي وما يكتبه الملائكة مما يوحى إليهم وما يكتبونه من أعمال بني آدم فكان القسم بالقلم وما يسطر بالقلم وقيل إن ما مصدرية وتقديره والقلم وسطرهم فيكون القسم بالكتابة وعلى القول الأول يكون القسم بالمكتوب ﴿ما أنت بنعمة ربك بمجنون﴾ هو جواب القسم ومعناه لست يا محمد بمجنون بنعمة ربك كما تقول ما أنت بنعمة ربك بجاهل وجاز تقديم معمولها به الباء لأنها زائدة مؤكدة وتقديره انتفى عنك الجنون بنعمة ربك وقيل هو كما يقال ما أنت بمجنون بحمد الله وقيل معناه بما أنعم عليك ربك من كمال العقل والنبوة والحكمة لست بمجنون أي لا يكون مجنونا من أنعمنا عليه بهذه النعم وقيل معناه ما أنت بمجنون والنعمة لربك كما يقال سبحانك اللهم وبحمدك أي والحمد لك وهذا تقرير لنفي الجنون عنه وقالوا إن هذا جواب لقول المشركين يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ﴿وإن لك﴾ يا محمد ﴿لأجرا﴾ أي ثوابا من الله على قيامك بالنبوة وتحملك أعباء الرسالة ﴿غير ممنون﴾ أي غير مقطوع وهو ثواب الجنة يعني لا تبال بكلامهم مع ما لك عند الله من الثواب الدائم والأجر العظيم وقيل غير ممنون أي لا يمن به عليك عن أبي مسلم والمعنى غير مكدر بالمن الذي يقطع عن لزوم الشكر فقد قيل المنة تكدر الصنيعة وقال ابن عباس ليس من نبي إلا وله مثل أجر من آمن به ودخل في دينه ثم وصف سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿وإنك﴾ يا محمد ﴿لعلى خلق عظيم﴾ أي على دين عظيم وهو دين الإسلام عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقيل معناه إنك متخلق بأخلاق الإسلام وعلى طبع كريم وحقيقة الخلق ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب وإنما سمي خلقا لأنه يصير كالخلقة فيه فأما ما طبع عليه من الآداب فإنه الخيم فالخلق هو الطبع المكتسب والخيم هو الطبع الغريزي وقيل الخلق العظيم الصبر على الحق وسعة البذل وتدبير الأمور على مقتضى العقل بالصلاح والرفق والمداراة وتحمل المكاره في الدعاء إلى الله سبحانه والتجاوز والعفو وبذل الجهد في نصرة المؤمنين وترك الحسد والحرص ونحو ذلك عن الجبائي وقالت عائشة كان خلق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تضمنه العشر الأول من سورة المؤمنين ومن مدحه الله سبحانه بأنه على خلق عظيم فليس وراء مدحه مدح وقيل سمي خلقه عظيما لأنه عاشر الخلق بخلقه وزايلهم بقلبه فكان ظاهره مع الخلق وباطنه مع الحق وقيل لأنه امتثل تأديب الله سبحانه إياه بقوله خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وقيل سمي خلقه عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه ويعضده ما روي عنه قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وقال أدبني ربي فأحسن تأديبي وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار وعن أبي الدرداء قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن وعن الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال عليكم بحسن الخلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق في النار لا محالة وعن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أحبكم إلى الله أحسنكم أخلاقا الموطؤن أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وأبغضكم إلى الله المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الإخوان الملتمسون للبراء العثرات ﴿فستبصر ويبصرون﴾ أي فسترى يا محمد ويرون يعني الذين رموه بالجنون ﴿بأيكم المفتون﴾ أي أيكم المجنون الذي فتن بالجنون أ أنت أم هم وقيل بأيكم الفتنة وهو الجنون يريد أنهم يعلمون عند العذاب أن الجنون كان بهم حين كذبوك وتركوا دينك لا بك وقيل معناه فستعلم ويعلمون في أي الفريقين المجنون الذي فتنة الشيطان ثم أخبر سبحانه أنه عالم بالفريقين فقال ﴿إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله﴾ الذي هو سبيل الحق وعدل عنه وجار عن السلوك فيه ﴿وهو أعلم بالمهتدين﴾ إليه العالمين بموجبه فيجازي كلا بما يستحقه ويستوجبه أخبرنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني القائني رحمه الله قال حدثنا الحاكم أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني قال حدثنا أبو عبد الله الشيرازي قال حدثنا أبو بكر الجرجاني قال حدثنا أبو أحمد البصري قال حدثني عمرو بن محمد بن تركي قال حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن شعيب عن عمرو ابن شمر عن دلهم بن صالح عن الضحاك بن مزاحم قال: لما رأت قريش تقديم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) وإعظامه له نالوا من علي وقالوا قد افتتن به محمد فأنزل الله تعالى ﴿ن والقلم وما يسطرون﴾ قسم أقسم الله به ﴿ما أنت﴾ يا محمد ﴿بنعمة ربك بمجنون﴾ ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ يعني القرآن إلى قوله ﴿بمن ضل عن سبيله﴾ وهم النفر الذين قالوا ما قالوا وهو أعلم بالمهتدين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) ثم قال سبحانه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿فلا تطع المكذبين﴾ بتوحيد الله عز وجل الجاحدين لنبوتك ولا تجبهم إلى ما يلتمسون منك ولا توافقهم فيما يريدون ﴿ودوا لو تدهن فيدهنون﴾ أي ود هؤلاء الكفار أن تلين لهم في دينك فيلينون في دينهم شبه التليين في الدين بتليين الدهن عن ابن عباس وقيل معناه ودوا لو تكفر فيكفرون عن الضحاك وعطاء وابن عباس في رواية أخرى وقيل معناه ودوا لو تركن إلى عبادة الأصنام فيمالؤونك والإدهان الجريان في ظاهر الحال على المقاربة مع إضمار العداوة وهو مثل النفاق وقيل ودوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونك عن الحسن ثم قال ﴿ولا تطع﴾ يا محمد ﴿كل حلاف﴾ أي كثير الحلف بالباطل لقلة مبالاته بالكذب ﴿مهين﴾ فعيل من المهانة وهي القلة في الرأي والتمييز وقيل ذليل عند الله تعالى وعند الناس وقيل كذاب لأن من عرف بالكذب كان ذليلا حقيرا عن ابن عباس وقيل يعني الوليد بن المغيرة قال عرض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المال ليرجع عن دينه وقيل يعني الأخنس ابن شريق عن عطاء وقيل يعني الأسود بن عبد يغوث عن مجاهد ﴿هماز﴾ أي وقاع في الناس مغتاب عن ابن عباس ﴿مشاء بنميم﴾ أي قتات يسعى بالنميمة ويفسد بين الناس ويضرب بعضهم على بعض ﴿مناع للخير﴾ أي بخيل بالمال وقيل مناع عشيرته عن الإسلام بأن يقول من دخل دين محمد لا أنفعه بشيء أبدا عن ابن عباس ﴿معتد﴾ أي مجاوز عن الحق غشوم ظلوم عن قتادة ﴿أثيم﴾ أي آثم فاجر فاعل ما يأثم به وقيل معتد في فعله أثيم في معتقده وقيل معتد في ظلم غيره أثيم في ظلم نفسه ﴿عتل بعد ذلك﴾ أي هو عتل مع كونه مناعا للخير معتديا أثيما وهو الفاحش السيىء الخلق روي ذلك في خبر مرفوع وقيل هو القوي في كفره عن عكرمة وقيل الجافي الشديد الخصومة بالباطل عن الكلبي وقيل الأكول المنوع عن الخليل وقيل هو الذي يعتل الناس فيجرهم إلى حبس أو عذاب ومنه قول الشاعر:
فيا ضيعة الفتيان إذ يعتلونه
ببطن الشري مثلب الفنيق المسدم
﴿زنيم﴾ أي دعي ملصق إلى قوم ليس منهم في النسب قال الشاعر:
زنيم تداعاه الرجال تداعيا
كما زيد في عرض الأديم الأكارع
وقيل هو الذي له علامة في الشر وهو معروف بذلك فإذا ذكر بالشر سبق القلب إليه كما أن العنز يعرف بين الأغنام بالزنمة في عنقه عن الشعبي وقيل هو الهجين المعروف بالشر عن سعيد بن جبير وقيل هو الذي لا أصل له عن علي (عليه السلام) وقيل هو المعروف بلؤمه كما تعرف الشاة بزنمتها عن عكرمة وروي أنه سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن العتل الزنيم فقال هو الشديد الخلق الشحيح الأكول الشروب الواجد للطعام والشراب الظلوم للناس الرحيب الجوف وعن شداد ابن أوس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا عتل زنيم قلت فما الجواظ قال كل جماع مناع قلت فما الجعظري قال الفظ الغليظ قلت فما العتل الزنيم قال كل رحيب الجوف سيء الخلق أكول شروب غشوم ظلوم زنيم قال ابن قتيبة لا نعلم أن الله وصف أحدا وبلغ من ذكر عيوبه ما بلغ من ذكر عيوب الوليد بن المغيرة لأنه وصف بالحلف والمهانة والعيب للناس والمشي بالنمائم والبخل والظلم والإثم والجفاء والدعوة فالحق به عارا لا يفارقه في الدنيا والآخرة ﴿أن كان ذا مال وبنين﴾ أي لا تطعه لأن كان ذا مال وبنين يعني لماله وبنيه عن الزجاج والفراء ومن قرأ بالاستفهام فلا بد أن يكون صلة ما بعده لأن الاستفهام لا يتقدم عليه ما كان في حيزه فيكون المعنى ألأن كان ذا مال وبنين يجحد آياتنا أي جعل مجازاة النعم التي خولها من البنين والمال الكفر بآياتنا وهو قوله ﴿إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين﴾ أي أحاديث الأوائل التي سطرت وكتبت لا أصل لها ثم أوعده سبحانه فقال ﴿سنسمه على الخرطوم﴾ أي سنسمه يوم القيامة بسمة تشوه خلقته فيعرف من رآه أنه من أهل النار وإنما خص الأنف لأن الإنسان يعرف بوجهه والأنف وسط الوجه وهذا على عادة العرب فإنهم يقولون شمخ فلان بأنفه وأرغم الله أنفه وحمي فلان أنفه وقيل معناه سيجعل له في الآخرة العلم الذي يعرف به أهل النار من اسوداد وجوههم وجائز أن يفرد بسمة لمبالغته في عداوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيخص من التشويه بما يتبين به من غيره كما كانت عداوته للرسول عداوة يتبين بها من غيره عن الزجاج وقال الفراء الخرطوم قد خص بالسمة لأنه في مذهب الوجه فإن بعض الوجه يؤدي عن الكل وقيل إن المعنى سنخطمه بالسيف في القتال حتى يبقى أثره ففعل ذلك يوم بدر عن ابن عباس وقيل سنعلمه بشين يبقى على الأبد عن قتادة وقال القتيبي العرب تقول قد وسمه ميسم سوء يريدون ألصق به عارا لا يفارقه لأن السمة لا تنمحق ولا يعفو أثرها وقد ألحق الله بمن ذكر عارا لا يفارقه بما وسمه به من العيوب التي هي كالوسم في الوجه وقيل إن الخرطوم الخمر فالمعنى سنسمه على شرب الخمر قال الشاعر:
أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه
ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا