الآيات 7-10
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴿7﴾ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴿8﴾ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿9﴾ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿10﴾
القراءة:
قرأ أهل الكوفة غير عاصم وحزنا بضم الحاء وسكون الزاي والباقون ﴿حزنا﴾ بفتحها وفي الشواذ قراءة الحسن وفضالة بن عبد الله فؤاد أم موسى فزعا وقراءة ابن عباس قراعا بالقاف والراء وحكى قطرب عن بعضهم فرغا.
الحجة:
الحزن والحزن لغتان مثل البخل والبخل والعرب والعرب والعجم والعجم وأما قوله فزعا بالفاء والزاي فمعناه قلقا يكاد يخرج من غلافه وأما قرعا فمعناه يرجع إلى معنى فارغ لأن رأس الأقرع يكون خاليا من الشعر وأما فرغا فمعناه هدرا وباطلا قال:
فإن تك أذواد أصبن ونسوة
فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال
وقوله ﴿فارغا﴾ معناه خاليا من الحزن لعلمها أنه لا يغرق.
الإعراب:
مفعول خفت محذوف تقديره خفت عليه أحدا ﴿قرة عين لي ولك﴾ خبر مبتدأ محذوف أي هو قرة عين قال الزجاج ويجوز على بعد أن يكون ﴿قرة عين﴾ مبتدأ ويكون خبره ﴿لا تقتلوه﴾ ﴿وهم لا يشعرون﴾ في موضع نصب على الحال والعامل فيه ما يدل على هذه القصة وتقديره قالوا ما قالوه غير شاعرين.
المعنى:
ثم بين سبحانه كيف دبر في إهلاك فرعون وقومه منبها بذلك على كمال قدرته وحكمته فقال ﴿وأوحينا إلى أم موسى﴾ أي ألهمناها وقذفنا في قلبها وليس بوحي نبوة عن قتادة وغيره وقيل أتاها جبرائيل (عليه السلام) بذلك عن مقاتل وقيل كان هذا الوحي رؤيا منام عبر عنها من يثق به من علماء بني إسرائيل عن الجبائي ﴿أن أرضعيه﴾ ما لم تخافي عليه الطلب ﴿فإذا خفت عليه﴾ في القتل الذي أمر به فرعون في أبناء بني إسرائيل ﴿فألقيه في اليم﴾ أي في البحر وهو النيل ﴿ولا تخافي﴾ عليه الضيعة ﴿ولا تحزني﴾ من فراقه ﴿إنا رادوه إليك﴾ سالما عن قريب ﴿وجاعلوه من المرسلين﴾ والأنبياء وفي هذه الآية أمران ونهيان وخبران وبشارتان وحكي أن بعضهم سمع بدوية تنشد أبياتا فقال لها ما أفصحك فقالت الفصاحة لله تعالى وذكرت هذه الآية وما فيها قال وهب بن منبه لما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها عن جميع الناس فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله وذلك شيء ستره الله تعالى لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل فلما كانت السنة التي يولد فيها موسى بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن أن يفتشن النساء تفتيشا لم يفتشنه قبل ذلك رحلت أم موسى بموسى فلم ينت بطنها ولم يتغير لونها ولم يظهر لبنها فكانت القوابل لا يعرضن لها فلما كانت الليلة التي ولد فيها موسى ولدته أمه ولا رقيب عليها ولا قابلة ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم فأوحى الله تعالى إليها ﴿أن أرضعيه﴾ الآية قال فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك فلما خافت عليه عملت له تابوتا مطبقا ومهدت له فيه ثم ألقته في البحر ليلا كما أمرها الله تعالى قال ابن عباس لما قربت ولادة أم موسى وكانت قابلة من النساء اللاتي وكلهن فرعون بحبالي بني إسرائيل مصافية لأم موسى فلما ضربها الطلق أرسلت إليها فجاءت فعالجتها فلما ولد موسى رأت نورا بين عينيه فارتعش كل مفصل منها ودخل حب موسى في قلبها ثم قالت يا هذه ما جئت إليك إلا ومن ورائي قتل مولودك ولكن وجدت لابنك هذا حبا ما وجدت حب شيء مثل حبه فاحفظي ابنك فإني أراه هو عدونا فلما خرجت من عندها القابلة بصرتها العيون فجاؤوا ليدخلوا على أم موسى فقالت أخته يا أماه هذا الحرس بالباب فلفت موسى في خرقة فوضعته في تنور مسجور فدخلوا فإذا التنور مسجور ورأوا أم موسى لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن فخرجوا من عندها وانطلقت إلى الصبي وقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما قال ثم لما رأت إلحاح فرعون في الطلب خافت على ابنها فانطلقت إلى نجار من قوم فرعون فاشترت منه تابوتا فقال النجار ما تصنعين بهذا التابوت قالت إن لي ابنا أخبئه في التابوت وكرهت الكذب فلما اشترت التابوت وحملته انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى فلم يطق الكلام فرجع وأخذ في النجر فانطلق لسانه فرجع ثانيا فلما انتهى إليهم اعتقل لسانه هكذا ثلاث مرات فعلم أن ذلك أمر إلهي ﴿فالتقطه آل فرعون﴾ أي أصابوه وأخذوه من غير طلب ﴿ليكون لهم عدوا وحزنا﴾ أي ليكون لهم في عاقبة أمره كذلك لا أنهم أخذوه لهذا كما يقال لمن كسب مالا فأداه ذلك إلى الحتف والهلاك إنما كسب فلان لحتفه وهو لم يطلب المال للحتف ﴿إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين﴾ أي عاصين ربهم في أفعالهم وكانت القصة في ذلك أن النيل جاء بالتابوت إلى موضع فيه فرعون وامرأته على شط النيل فأمر فرعون فأتي به وفتحت آسية بنت مزاحم بابه فلما نظرت إليه ألقى الله في قلبها محبة موسى وكانت آسية بنت مزاحم امرأة من بني إسرائيل استنكحها فرعون وهي من خيار النساء ومن بنات الأنبياء وكانت أما للمؤمنين ترحمهم وتتصدق عليهم ويدخلون عليها فلما نظر فرعون إلى موسى غاظه ذلك وقال كيف أخطأ هذا الغلام الذبح قالت آسية وهي قاعدة إلى جنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة وإنك أمرت أن يذبح الولدان لهذه السنة فدعه يكن قرة عين لي ولك وذلك قوله تعالى ﴿وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا﴾ وإنما قالت ذلك لأنه لم يكن له ولد فأطمعته في ولد قال ابن عباس إن أصحاب فرعون لما علموا بموسى جاءوا ليقتلوه فمنعتهم وقالت لفرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه قال فرعون قرة عين لك وأما لي فلا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي يحلف به لو أقر فرعون بأن يكون له قرة عين كما أقرت امرأته لهداه الله به كما هداها ولكنه أبى للشقاء الذي كتبه الله عليه ﴿وهم لا يشعرون﴾ أي لا يشعرون أن هلاكهم على يديه وقيل لا يشعرون أن هذا هو المطلوب الذي يطلبونه ﴿وأصبح فؤاد أم موسى فارغا﴾ أي خاليا من كل شيء إلا من ذكر موسى أي صار فارغا له عن ابن عباس وقتادة والضحاك وقيل فارغا من الحزن لعلمها أن ابنها ناج سكونا إلى ما وعدها الله تعالى به وقيل فارغا من الوحي الذي أوحي إليها بنسيانها فإنها نسيت ما وعدها الله تعالى به عن الحسن وابن زيد ﴿إن كادت لتبدي به﴾ معناه أنها كادت تبدي بذكر موسى فتقول يا ابناه من شدة الغم والوجد عن ابن عباس وقتادة والسدي وقيل معناه كادت تصيح على ابنها شفقة عليه من الغرق عن مقاتل وقيل معناه همت بأن تقول أنها أمه لما رأته عند دعاء فرعون إياها للإرضاع لشدة سرورها به عن جعفر بن حرب وقيل معناه أنها كادت تبدي بالوحي ﴿لولا أن ربطنا على قلبها﴾ بالصبر واليقين والربط على القلب إلهام والصبر وتقويته عن الزجاج وقيل معناه لو لا أن قوينا قلبها بالعصمة والوحي وجواب لو لا محذوف والتقدير لو لا أن ربطنا على قلبها لأظهرته ﴿لتكون من المؤمنين﴾ أي فعلنا ذلك لتكون من جملة المصدقين بوعدنا الواثقين بوحينا وقولنا ﴿إنا رادوه إليك﴾.