الآيات 76-82
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴿76﴾ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴿77﴾ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴿78﴾ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿79﴾ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا مَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴿80﴾ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ﴿81﴾ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴿82﴾
القراءة:
قرأ حفص عن عاصم ويعقوب وسهل ﴿لخسف﴾ بفتح الخاء والسين وهو قراءة الحسن والأعرج وشيبة ومجاهد والباقون لخسف بضم الخاء وكسر السين وقرأ يعقوب ويك يقف عليها ثم يبتدي فيقول أنه.
الحجة:
قال أبو علي من قرأ ﴿لخسف بنا﴾ بفتح الخاء فلتقدم ذكر الله تعالى ومن قرأ بضم الخاء فبنى الفعل للمفعول به فإنه يؤول إلى الأول في المعنى وقال ابن جني في ويكأنه ثلاثة أقوال منهم من جعلها كلمة واحدة فلم يقف على وي ومنهم من وقف على وي ومنهم من قال ويك وهو مذهب أبي الحسن والوجه فيه عندنا هو قول الخليل وسيبويه وهو أن وي اسم سمي به الفعل في الخبر فكأنه اسم أعجب ثم ابتدأ فقال كأنه لا يفلح الكافرون وكان الله يبسط الرزق فوي منفصلة من كان وعليه بيت الكتاب.
سألتاني الطلاق إن رأتاني
قل مالي قد جئتماني بنكر
وي كان من يكن له نشب يحبب
ومن يفتقر يعش عيش ضر
ومما جاءت فيه كان عارية من معنى التشبيه ما أنشده أبو علي:
كأنني حين أمسي لا تكلمني
متيم يشتهي ما ليس موجود
أي أنا حين أمسي متيم من حالي كذا ومن قال إنها ويك فكأنه قال أعجب لأنه لا يفلح الكافرون وأعجب لأن الله يبسط الرزق وهو قول أبي الحسن وينبغي أن يكون الكاف هنا حرف خطاب بمنزلة الكاف في ذلك وأولئك ويشهد لهذا قول عنترة:
لقد شفا نفسي وأذهب سقمها
قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
وقول من قال ويكأنه كلمة واحدة إنما يريد به أنه لا يفصل بعضه من بعض.
اللغة:
البغي طلب العتو بغير حق ومنه قيل لولاة الجور بغاة، والكنز جمع المال بعضه على بعض وصار بالعرف عبارة عما يخبأ تحت الأرض ولا يطلق في الشرع اسم الكنز إلا على مال لا تخرج زكاته للوعيد الذي جاء فيه.
والمفاتح جمع مفتح والمفاتيح جمع مفتاح ومعناهما واحد وهو عبارة عما يفتح به الأغلاق.
وناء بحمله ينوء نوءا إذا نهض به مع ثقله عليه ومنه أخذت الأنواء لأنها تنهض من المشرق على ثقل نهوضها وقال أبو زيد ناءني الحمل إذا أثقلني والعصبة الجماعة الملتف بعضها ببعض يقال ناءت المفاتيح بالعصبة وأناءت العصبة بمعنى كما يقال ذهبت به وأذهبته فالباء والهمز يتعاقبان في تعدي الفعل قال سبحانه فأجاءها المخاض أي جاء بها وقال أبو عبيدة هذا من المقلوب ومعنى قوله ﴿لتنوء بالعصبة﴾ تنوء العصبة بها كما قال الشاعر:
إن سراجا لكريم مفخره
تجلى به العين إذا ما تجهره
ومعناه يجلي بالعين فقلب وقال آخر:
كانت عقوبة ما جنيت كما
كان الزناء عقوبة الرجم
قال امرؤ القيس:
يضيء الظلام وجهها لضجيعها
كمصباح زيت في قناديل ذبال
أي في ذبال قناديل وهذا غير صحيح ولا يجوز أن يحمل القرآن عليه لأنه يجري مجرى الغلط من العرب ومثل ذلك في شعرهم كثير قال:
غداة أحلت لابن صرمة طعنة
حصين غبيطات السدايف والخمر
والغبيطات مفعولة والطعنة فاعلة فقلب ومن أغلاطهم قول الراجز:
جارية لم تعلم المرققا
ولم تذق من البقول الفستقا
فظن الفستق من البقول فأما قول خداش بن زهير:
وتركت خيلا لا هوادة بينها
وتشقى الرماح بالضيا طرة الحمر
فذهب كثير من العلماء إلى أن المعنى وتشقى الضياطرة الحمر بالرماح فقلب وليس الأمر كذلك وإنما أراد أن رماحهم تشرف عن هؤلاء الضياطرة فإذا طعنوا بها فقد شقيت الرماح لأن منزلتها أرفع من أن يطعنوا بها وقالوا أيضا في قول زهير:
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم
كأحمر عاد ثم تنتج فتتئم أنه غلط
فنسبه إلى عاد وإنما هو أحمر ثمود وهذا أيضا ليس بغلط فإن ثمود يسمى عادا الآخرة لقوله تعالى وأنه أهلك عادا الأولى وقيل إنما سموا ثمود لأن الله تعالى أهلك عادا وبقيت منهم بقية تناسلوا فهم ثمود واشتق لهم هذا الاسم من الثمد وهو الماء القليل لأنهم قلوا عن عدد عاد الأولى وإذا جاء في الشعر ما يجري مجرى الغلط فلا يجوز أن يحمل كلام الله تعالى عليه.
المعنى:
﴿إن قارون كان من قوم موسى﴾ أي كان من بني إسرائيل ثم من سبط موسى وهو ابن خالته عن عطا عن ابن عباس وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل كان ابن عم موسى لحا لأنه كان قارون بن يصهر بن فاهث وموسى بن عمران بن فاهث عن ابن جريج وقيل كان موسى ابن أخيه وقارون عمه عن محمد بن إسحاق ﴿فبغى عليهم﴾ أي استطال عليهم بكثرة كنوزه عن قتادة قال وكان يسمى المنور لحسن صورته ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ منه للتوراة ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري فبغى عليهم وقيل كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل فكان يبغي عليهم ويطالبهم لما كانوا بمصر عن سعيد بن المسيب وابن عباس وقيل إنه زاد عليهم في الثياب شبرا عن عطاء الخراساني وشهر بن حوشب ﴿وآتيناه من الكنوز﴾ قال عطا أصاب كنزا من كنوز يوسف ﴿ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة﴾ ما هذه موصولة بمعنى والذي وصلتها أن مع اسمها وخبرها أي أعطيناه من الأموال المدخرة قدر الذي ينيء مفاتحه العصبة والمفاتح هنا الخزائن في قول أكثر المفسرين وهو اختيار الزجاج كما في قوله سبحانه وعنده مفاتح الغيب فيكون المراد بمفاتحه خزائن ماله وهو قول ابن عباس والحسن وقيل هي المفاتح التي تفتح بها الأبواب عن قتادة ومجاهد وروى الأعمش عن خيثمة قال كانت مفاتيح قارون من جلود كل مفتاح مثل الإصبع واختلف في معنى العصبة فقيل ما بين عشرة إلى خمسة عشرة عن مجاهد وقيل ما بين عشرة إلى أربعين عن قتادة وقيل أربعون رجلا عن أبي صالح وقيل ما بين الثلاثة إلى العشرة عن ابن عباس وقيل إنهم الجماعة يتعصب بعضهم لبعض ﴿إذ قال قومه﴾ من بني إسرائيل ﴿لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين﴾ أي لا تأشر ولا تمرح ولا تتكبر بسبب كنوزك إن الله لا يحب من كان بهذه الصفة ويدل على أن الفرح بمعنى البطر قول الشاعر.
ولست بمفراح إذا الدهر سرني
ولا جازع من صرفه المتقلب
وقول الآخر:
ولا أرخي من الفرح الأزارا
﴿وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة﴾ وهذا أيضا من مقالة المؤمنين من قوم قارون له وقيل إن المخاطب له بذلك موسى وإن ذكر بلفظ الجمع ومعناه اطلب فيما أعطاك الله من الأموال الدار الآخرة بأن تنفقها في سبيل الخير ووجوه الخير والبر ﴿ولا تنس نصيبك من الدنيا﴾ وهو أن تعمل في الدنيا للآخرة عن أكثر المفسرين ومعناه لا تنس أن تعمل لآخرتك لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته وروي في معناه عن علي (عليه السلام) لا تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك وغناك أن تطلب بها الآخرة وقيل أمر أن يقدم الفضل وأن يمسك ما يغنيه عن الحسن وقيل معناه أنه كان قتورا شحيحا فقيل له كل واشرب واستمتع بما آتاك الله من الوجه الذي أباحه الله لك فإن ذلك غير محظور عليك ﴿وأحسن كما أحسن الله إليك﴾ أي أفضل على الناس كما أفضل الله عليك وقيل أحسن فيما افترض الله عليك كما أحسن في إنعامه عليك عن يحيى بن سلام وقيل معناه وأحسن شكر الله تعالى على قدر إنعامه عليك وواس عباد الله بمالك ﴿ولا تبغ الفساد﴾ أي لا تطلب العمل ﴿في الأرض﴾ بالمعاصي ﴿إن الله لا يحب المفسدين﴾ ظاهر المعنى ﴿قال﴾ قارون ﴿إنما أوتيته على علم عندي﴾ اختلف في معناه فقيل أراد إنما أعطيت هذا المال بفضل وعلم عندي ليس ذلك عندكم عن قتادة يعني أنه قدر أن هذا ثواب من الله له لفضيلته كما أخبر سبحانه عن ذلك الكافر بقوله ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا وقيل معناه لرضا الله عني ومعرفته باستحقاقي عن ابن زيد وهذا قريب من الأول وقيل معناه إن المال حصل له على علم عندي بوجوه المكاسب وبما لا يتهيأ لأحد أن يكتسبه من التجارات والزراعات وغيرها وقيل على علم عندي بصنعة الذهب وهو علم الكيمياء عن الكلبي وحكي أن موسى (عليه السلام) علم قارون الثلث من صنعة الكيمياء وعلم يوشع الثلث منها وعلم ابن هارون الثلث منها فخدعهما قارون حتى علم ما عندهما وعمل بالكيمياء فكثرت أمواله ﴿أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون﴾ الكافرة بنعمته ﴿من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا﴾ كقوم عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ثم بين سبحانه أن اغتراره بماله وعدده من الخطإ العظيم لأنه لا ينتفع بذلك عند نزول العذاب به كما أن من كانوا أقوى وأغنى منه لم تغن أموالهم إشغالهم عنهم شيئا عند ذلك ﴿ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون﴾ قال قتادة يعني أنهم يدخلون النار بغير حساب وقال قتادة إن الملائكة تعرفهم بسيماهم فلا يسألون عنهم لعلامتهم ويأخذونهم بالنواصي والأقدام فيصيرونهم إلى النار وهذا كقوله فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان وأما قوله فو ربك لنسألنهم أجمعين فإنما ذلك سؤال تقريع وتوبيخ لا ليعلم ذلك من قبلهم عن الحسن ﴿فخرج على قومه﴾ أي خرج قارون على بني إسرائيل ﴿في زينته﴾ التي كان يتزين بها وحشمه وتبعه وقيل إنه خرج في أربعة آلاف دابة عليها أربعة آلاف فارس عليهم وعلى دوابهم الأرجوان عن قتادة والأرجوان في اللغة صبغ أحمر وقيل خرج في جوار بيض على سرج من ذهب على قطف أرجوان على بغال بيض عليهن ثياب حمر وحلي من ذهب عن السدي وقيل خرج في سبعين ألفا عليهم المعصفرات ﴿قال الذين يريدون الحيوة الدنيا﴾ من الكفار والمنافقين وضعيفي الإيمان بما للمؤمنين عند الله من ثواب الجنة لما رأوه في تلك الزينة والجمال ﴿يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم﴾ أي ذو نصيب وافر من الدنيا والمعنى أنهم تمنوا مثل منزلته ومثل ماله ﴿وقال الذين أوتوا العلم﴾ وهم المصدقون بوعد الله المؤمنون لهم ﴿ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا﴾ مما أوتي قارون وحذف لدلالة الكلام عليه ﴿ولا يلقاها إلا الصابرون﴾ أي ولا يلقى مثل هذه الكلمة ولا يوفق لها إلا الصابرون على أمر الله وقيل معناه ولا يعطاها يعني الجنة في الآخرة ودل عليها قوله ﴿ثواب الله﴾.
﴿إلا الصابرون﴾ على طاعة الله وعن زينة الدنيا عن الكلبي ﴿فخسفنا به وبداره الأرض﴾ قال السدي دعا قارون امرأة من بني إسرائيل بغيا فقال لها إني أعطيك ألفين على أن تجيئي غدا إذا اجتمعت بنو إسرائيل عندي فتقولي يا معشر بني إسرائيل ما لي ولموسى قد آذاني قالت نعم فأعطاها خريطتين عليهما خاتمه فلما جاءت بيتها ندمت وقالت يا ويلتي قد عملت كل فاحشة فما بقي إلا أن أفتري على نبي الله فلما أصبحت أقبلت ومعها الخريطتان حتى قامت بين بني إسرائيل فقالت إن قارون قد أعطاني هاتين الخريطتين على أن آتي جماعتكم فأزعم أن موسى يراودني عن نفسي ومعاذ الله أن أفتري على نبي الله وهذه دراهمه عليها خاتمه فعرف بنو إسرائيل خاتم قارون فغضب موسى فدعا الله عليه فأوحى الله إليه إني أمرت الأرض أن تطيعك وسلطتها عليه فمرها فقال موسى يا أرض خذيه وهو على سريره وفرشه فأخذته حتى غيبت سريره فلما رأى قارون ذلك ناشده الرحم فقال خذيه فأخذته حتى غيبت قدميه ثم أخذته حتى غيبت ركبتيه ثم أخذته حتى غيبت حقويه وهو يناشده الرحم فأخذته حتى غيبته فأوحى الله إليه يا موسى ناشدك الرحم واستغاثك فأبيت أن تغيثه لو إياي دعا واستغاثني لأغثته قال مقاتل ولما أمر موسى الأرض فابتلعته قال بنو إسرائيل إنما فعل ذلك موسى ليرث ماله لأنه كان ابن عمه فخسف بداره وبجميع أمواله بعده بثلاثة أيام فلم يقدر على ماله بعده أبدا ﴿فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله﴾ أي فما كان له من جماعة منقطعة إليه يدفعون عنه عذاب الله تعالى الذي نزل به وإنما قال سبحانه ذلك لأنه كان يقدر مع نفسه الامتناع بحاشيته وجنوده ﴿وما كان من المنتصرين﴾ بنفسه لنفسه ﴿وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس﴾ حين خرج عليهم في زينته ﴿يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر﴾ وهذه كلمة ندم واعتراف وقد بينا أن عند الخليل وسيبويه لفظة وي مفصولة من كان وإن وقعت في المصحف موصولة يقول القائل إذا تبين له الخطأ وي كنت على خطأ وقال الفراء أصله ويلك فحذفت اللام وجعلت أن مفتوحة في موضع نصب بفعل مضمر كأنه قال اعلم أن الله تعالى قال وحدثني شيخ من أهل البصرة قال سمعت أعرابية تقول لزوجها أين ابنك ويلك فقال لها ويك أنه وراء البيت قال معناه أما ترينه وراء البيت وقيل معناه ألا كان وأما كان وقال الكسائي ويكأن في التأويل ذلك أن الله وهو قول ابن عباس أي قالوا ذلك أن الله يبسط الرزق لمن يشاء لا لكرامته كما بسط لقارون ويقدر أن يضيق على من يشاء لا لهوان لكن بحسب المصلحة وقال مجاهد وقتادة ويكأن معناه ألم تعلم ﴿لو لا أن من الله علينا لخسف بنا﴾ أي لو لا أنه أنعم علينا بنعمه فلم يعطنا ما أعطى قارون لخسف بنا كما خسف به وقيل معناه لو أن الله تعالى من علينا بالتجاوز عما تمنينا لخسف بنا لما تمنينا منزلة قارون ﴿ويكأنه لا يفلح الكافرون﴾ أي لا يفوز بثواب الله وينجو من عقابه الجاحدون لنعمه العابدون معه سواه.
النظم:
إنما اتصلت قصة قارون بما قبلها من قوله ﴿نتلو عليك من نبأ موسى﴾ فكأنه قال ومن نبأ موسى الذي وعدنا تلاوته في أول السورة قصة قارون معه وقيل اتصل بقوله فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى فأكد سبحانه ذلك بحديث قارون وحاله وقيل إنه لما تقدم خزي الكفار وافتضاحهم يوم القيامة ذكر عقيبه أن قارون من جملتهم وأنه يفتضح يوم القيامة كما افتضح في الدنيا.