الآيات 1-10

تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴿1﴾ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴿2﴾ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ﴿3﴾ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا ﴿4﴾ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴿5﴾ قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿6﴾ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ﴿7﴾ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا ﴿8﴾ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ﴿9﴾ تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا ﴿10﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير عاصم نأكل منها بالنون والباقون بالياء وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر ويجعل لك بالرفع والباقون بالجزم.

الحجة:

من قرأ ﴿يأكل منها﴾ بالياء فإنه يعني به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن قرأ نأكل منها فكأنه أراد أنه تكون له المزية علينا في الفضل بأكلنا من جنته ومن قرأ ﴿ويجعل لك﴾ بالجزم عطف على موضع جعل لأنه جزاء الشرط قال الشاعر:

إني سلكت فإنني لك كاشح

وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد

ومن رفع قطعه مما قبله واستأنف.

الإعراب:

قال الزجاج التقدير جاءوا بظلم وزور فلما سقطت الباء أفضى الفعل فنصب الفعل وأقول إنه يجوز جاءوا ظلما بمعنى أتوا ظلما قال طرفة:

على غير ذنب جئته غير أنني

نشدت فلم أغفل حمولة معبد

فمعنى جئته فعلته.

﴿اكتتبها﴾ جملة في موضع نصب على الحال من ﴿أساطير الأولين﴾ وقد مضمرة و﴿أساطير﴾ خبر مبتدإ محذوف و﴿يأكل الطعام﴾ حال والعامل فيه ما تعلق به اللام في قوله ﴿ما لهذا الرسول﴾ فيكون منصوبا بإضمار أن.

﴿كيف ضربوا﴾ كيف في محل النصب على المصدر والتقدير ضرب أي ضربوا لك الأمثال ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال من الواو في ضربوا التقدير أنظر أ منكرين ضربوا لك الأمثال أم لا.

﴿أن شاء جعل لك خيرا من ذلك﴾ الشرط والجزاء صلة الذي و﴿جنات﴾ بدل من قوله ﴿خيرا﴾.

المعنى:

﴿تبارك﴾ تفاعل من البركة معناه عظمت بركاته وكثرت عن ابن عباس والبركة والكثرة من الخير وقيل معناه تقدس وجل بما لم يزل عليه من الصفات ولا يزال كذلك فلا يشاركه فيها غيره وأصله من بروك الطير فكأنه قال ثبت ودام فيما لم يزل ولا يزال عن جماعة من المفسرين وقيل معناه قام بكل بركة وجاء بكل بركة ﴿الذي نزل الفرقان﴾ أي القرآن الذي يفرق بين الحق والباطل والثواب والخطإ في أمور الدين بما فيه من الحث على أفعال الخير والزجر عن القبائح والشر ﴿على عبده﴾ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿ليكون﴾ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن ﴿للعالمين﴾ أي لجميع المكلفين من الإنس والجن ﴿نذيرا﴾ أي مخوفا بالعقاب وداعيا لهم إلى الرشاد ثم وصف سبحانه نفسه فقال ﴿الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا﴾ كما زعمت اليهود والنصارى والمشركون ﴿ولم يكن له شريك في الملك﴾ يشاركه فيما خلق ويمنعه عن مراده ﴿وخلق كل شيء﴾ مما يطلق عليه اسم المخلوق ﴿فقدره تقديرا﴾ على ما اقتضته الحكمة والتقدير تبيين مقادير الأشياء للعباد فيكون معناه قدر الأشياء بأن كتبها في الكتاب الذي كتبه الملائكة لطفا لهم وقيل خلق كل شيء فقدر طوله وعرضه ولونه وسائر صفاته ومدة بقائه عن الحسن ثم أخبر سبحانه عن الكفار فقال ﴿واتخذوا من دونه﴾ أي من دون الله ﴿آلهة﴾ من الأصنام والأوثان وجهوا عبادتهم إليها ثم وصف آلهتهم بما ينبىء أنها لا تستحق العبادة فقال ﴿لا يخلقون شيئا وهم يخلقون﴾ أي وهي مخلوقة مصنوعة ﴿ولا يملكون لأنفسهم ضرا﴾ فيدفعونه عن أنفسهم ﴿ولا نفعا﴾ فيجرونه إلى أنفسهم أي لا يقدرون على دفع ضر ولا على جر نفع ﴿ولا يملكون موتا ولا حياة﴾ أي لا يستطيعون إماتة ولا إحياء ﴿ولا نشورا﴾ ولا إعادة بعد الموت يقال أنشره الله فنشر فإن جميع ذلك يختص الله تعالى بالقدرة عليه والمعنى فكيف يعبدون من لا يقدر على شيء من ذلك ويتركون عبادة ربهم الذي يملك ذلك كله ثم أخبر سبحانه عن تكذيبهم بالقرآن فقال ﴿وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه﴾ أي ما هذا القرآن إلا كذب افتراه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واختلقه من تلقاء نفسه ﴿وأعانه عليه قوم آخرون﴾ قالوا أعان محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) على هذا القرآن عداس مولى حويطب بن عبد العزى ويسار غلام العلاء بن الحضرمي وحبر مولى عامر وكانوا من أهل الكتاب وقيل إنهم قالوا أعانه قوم اليهود عن مجاهد ﴿فقد جاءوا ظلما وزورا﴾ أي فقد قالوا شركا وكذبا حين زعموا أن القرآن ليس من الله ومتى قيل كيف اكتفي بهذا القدر في جوابهم قلنا إنه لما تقدم التحدي وعجزهم عن الإتيان بمثله اكتفي هاهنا بالتنبيه على ذلك ﴿وقالوا أساطير الأولين اكتتبها﴾ معناه وقالوا أيضا هذه أحاديث المتقدمين وما سطروه في كتبهم انتسخها وقيل استكتبها ﴿فهي تملى عليه بكرة وأصيلا﴾ أي تملى عليه طرفي نهاره حتى يحفظها وينسخها والأصيل العشي لأنه أصل الليل وأوله وفي هذا بيان مناقضتهم وكذبهم لأنهم قالوا افتراه ثم قالوا تملى عليه فقد افتراه غيره وقالوا أنه كتب وقد علموا أنه كان لا يحسن الكتابة فكيف كتب ولم يستكتب ثم قال سبحانه ﴿قل﴾ يا محمد لهم تكذيبا لقولهم ﴿أنزله﴾ أي أنزل القرآن ﴿الذي يعلم السر﴾ أي الخفيات ﴿في السماوات والأرض﴾ على ما اقتضاه علمه ببواطن الأمور لا على ما تقتضيه أهواء النفوس والصدور ﴿إنه كان غفورا رحيما﴾ حيث لم يعاجلهم بالعذاب بل أنعم عليهم بإرسال الرسول إليهم لتأكيد الحجة وقطع المعذرة ﴿وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام﴾ كما نأكل ﴿ويمشي في الأسواق﴾ في طلب المعاش كما نمشي ﴿لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا﴾ أي هلا أنزل إليه ملك فيكون معينا له على الإنذار والتخويف وهذا أيضا من مقالاتهم الفاسدة لأن الملك لو كان معينا له على الرسالة ومخوفا من ترك قبولها ولو فعل تعالى ذلك لأدى ذلك إلى استصغار كل واحد منهما من حيث إنه لم يقم بنفسه في أداء الرسالة ولأن الجنس إلى الجنس أميل وبه آنس ﴿أو يلقى إليه كنز﴾ يستغني به عن طلب المعاش قال ابن عباس أو ينزل إليه مال من السماء ﴿أو تكون له جنة يأكل منها﴾ أي بستان يأكل من ثمارها ومن قرأ بالنون فالمعنى نأكل نحن معه ونتبعه ﴿وقال الظالمون﴾ أي المشركون للمؤمنين ﴿إن تتبعون إلا رجلا مسحورا﴾ أي ما تتبعون إلا رجلا مخدوعا مغلوبا على عقله وقد سبق تفسير المسحور في بني إسرائيل ﴿أنظر﴾ يا محمد ﴿كيف ضربوا لك الأمثال﴾ أي الأشباه لأنهم قالوا تارة هو مسحور وتارة هو محتاج متروك حتى تمنوا له الكنز وتارة أنه ناقص عن القيام بالأمور ﴿فضلوا﴾ بهذا عن الهدى وعن وجه الصواب وطريق الحق ﴿فلا يستطيعون سبيلا﴾ لإلزامك الحجة من الوجوه المذكورة وقيل معناه لا يستطيعون سبيلا إلى إبطال أمرك وقيل معناه لا يستطيعون سبيلا إلى الحق مع ردهم الدلائل والحجج واتباعهم التقليد والألف والعادة ﴿تبارك﴾ أي تقدس ﴿الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك﴾ الذي اقترحوه من الكنز والبستان ثم فسر الذي هو خير مما اقترحوه فقال ﴿جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ ليكون أبلغ في الزهو وأسرع في نضج الثمار ﴿ويجعل لك قصورا﴾ أي وسيجعل لك قصورا في كل بستان قصرا والقصور البيوت المبنية المشيدة المطولة عن مجاهد وأراد في الآخرة أي سيعطيك الله في الآخرة أكثر مما قالوا وقيل أراد به في الدنيا لأن جبرائيل (عليه السلام) عرض عليه ذلك كله فاختار الزهد في الدنيا.