الآيات 5-7

وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ ﴿5﴾ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿6﴾ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴿7﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر إذا كنا بغير استفهام إنا بهمزة واحدة مطولة وكذلك يفعل بكل استفهامين يجتمعان في القرآن يستفهم بالثاني ولا يستفهم بالأول إلا في سورة الصافات والواقعة وأما نافع ويعقوب وسهل فإنهم يستفهمون بالأول بهمزة واحدة غير مطولة ولا يستفهمون بالثاني إلا في سورة النمل والعنكبوت إلا أن قالون عن نافع وزيدا عن يعقوب يمدان الهمزة مثل أبي جعفر والكسائي أيضا يستفهم بالأول ولا يستفهم بالثاني إلا في سورة النمل غير أنه يهمز بهمزتين وابن عامر مثل أبي جعفر لا يستفهم في إذا كل القرآن إلا في سورة الواقعة فإنه يستفهم في أإذا وأإنا جميعا بهمزتين همزتين بينهما مد آإنا يهمز ثم يمد ثم يهمز على وزن عاعنا ولا يجمع بين استفهامين إلا هاهنا وفي سورة النمل يستفهم أإذا بهمزتين أإننا بنونين والكسائي مثله في هذا الموضع وأبو عمرو يستفهم فيهما جميعا وفي جميع أشباههما بهمزة واحدة مطولة وابن كثير يستفهم فيهما جميعا بهمزة واحدة غير مطولة وعاصم وحمزة وخلف يستفهمون فيهما بهمزتين همزتين كل القرآن وخالف ابن كثير وحفص عن عاصم في حرف واحد في العنكبوت وسنذكره هناك إن شاء الله.

الحجة:

قال أبو علي : من استفهم في الجملتين فموضع إذا نصب بفعل مضمر يدل على قوله ﴿أإنا لفي خلق جديد﴾ لأن هذا الكلام يدل على نبعث ونحشر فكأنه قال أنبعث إذا كنا ترابا ومن لم يدخل الاستفهام في الجملة الثانية كان موضع إذا أيضا نصبا بما دل عليه قوله ﴿أإنا لفي خلق جديد﴾ فكأنه قال أ نبعث إذا كنا ترابا وما بعد أن في أنه لا يجوز أن يعمل فيما قبله بمنزلة الاستفهام فكما قدرت هذا الناصب لإذا مع الاستفهام لأن الاستفهام لا يعمل فيما قبله كذلك تقدره في أن لأن ما بعدها أيضا لا يعمل فيما قبلها ومن قرأ إذا كنا من غير استفهام أ إنا ينبغي أن يكون على مضمر كما حل من تقدم على ذلك لأن ما بعد الاستفهام منقطع مما قبله.

اللغة:

العجب والتعجب هجوم ما لا يعرف سببه على النفس والغل طوق تشد به اليد إلى العنق والاستعجال طلب التعجيل بالأمر والتعجيل تقديم الأمر قبل وقته والسيئة خصلة تسوء النفس ونقيضها الحسنة وهي خصلة تسر النفس والمثلات العقوبات واحدها مثلة بفتح الميم وضم الثاء ومن قال في الواحد مثله بضم الميم وسكون الثاء قال في الجمع مثلات بضمتين نحو غرفة وغرفات وقيل في جمعها مثلات ومثلات أيضا قال الشاعر:

ولما رأونا باديا ركباتنا

على موطن لا يخلط الجد بالهزل رووه بفتح الكاف في ركبات.

المعنى:

لما تقدم ذكر الأدلة على أنه سبحانه قادر على الإنشاء والإعادة عقبه بالتعجب من تكذيبهم بالبعث والنشور فقال ﴿وإن تعجب﴾ يا محمد من قول هؤلاء الكفار في إنكارهم البعث مع إقرارهم بابتداء خلق الخلق فقد وضعت التعجب موضعه لأن هذا قول عجب ومعناه عجب للمخلوقين فإن معنى العجب في صفات الله لا يجوز لأن العجب أن يشتبه عليه سر أمره فيستطرفه ﴿فعجب قولهم﴾ أي فقولهم عجب ﴿أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد﴾ أي أنبعث ونعاد بعد ما صرنا ترابا هذا مما لا يمكن وهذا منهم نهاية في الأعجوبة فإن الماء إذا حصل في الرحم استحال علقة ثم مضغة ثم لحما فإذا مات ودفن استحال ترابا فإذا جاز أن يتعلق الإنشاء بالاستحالة الأولى فلم لا يجوز تعلقه بالاستحالة الثانية وسمى الله تعالى الإعادة خلقا جديدا واختلف المتكلمون فيما يصح عليه الإعادة فقال بعضهم كلما يكون مقدورا للقديم سبحانه خاصة ويصح عليه البقاء يصح عليه الإعادة ولا يصح الإعادة على ما لا يقدر على جنسه غيره تعالى وهذا قول أبي علي الجبائي وقال آخرون كلما كان مقدورا له وهو مما يبقى يصح عليه الإعادة وهو قول أبي هاشم ومن تابعه فعلى هذا يصح إعادة أجزاء الحياة ثم اختلفوا فيما يجب إعادته من الحي فقال أبو القاسم البلخي يعاد جميع أجزاء الشخص وقال أبو هاشم يعاد الأجزاء التي بها يتميز الحي من غيره ويعاد التأليف ثم رجع عن ذلك وقال تعاد الحياة مع البنية وقال القاضي أبو الحسن تعاد البنية وما عدا ذلك يجوز فيه التبديل وهذا هو الأصح ﴿أولئك﴾ المنكرون للبعث ﴿الذين كفروا بربهم﴾ أي جحدوا قدرة الله تعالى على البعث ﴿وأولئك الأغلال في أعناقهم﴾ في الآخرة وقيل أراد به أغلال الكفر أي كفرهم أغلال في أعناقهم ﴿وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ مضى تفسيره ﴿ويستعجلونك﴾ أي يستعجلك يا محمد هؤلاء المشركون ﴿بالسيئة قبل الحسنة﴾ أي بالعذاب قبل الرحمة عن ابن عباس ومجاهد أي بالعقاب الذي توعدوا به على التكذيب قبل الثواب الذي وعدوا به على الإيمان وذلك حين قالوا فأمطر علينا حجارة من السماء وقيل يستعجلونك بالعذاب الذي توعدهم به قبل الإحسان بالإنظار فإن إنظار من وجب عليه العقاب إحسان إليه كإنذار من وجب عليه الدين وسماها سيئة لأنها جزاء السيئة ﴿وقد خلت من قبلهم﴾ أي مضت من قبلهم ﴿المثلات﴾ أي العقوبات التي يقع بها الاعتبار وهو ما حل بهم من المسخ والخسف والغرق وقد سلك هؤلاء طريقتهم فكيف يتجاسرون على استعجالها وقيل هي العقوبة الفاضحة التي تسير بها الأمثال وتقديره وقد خلت المثلات بأقوام أو خلا أصحاب المثلات فحذف المضاف ﴿وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم﴾ قال المرتضى (ره) في هذه الآية دلالة على جواز المغفرة للمذنبين من أهل القبلة لأنه سبحانه دلنا على أنه يغفر لهم مع كونهم ظالمين لأن قوله ﴿على ظلمهم﴾ إشارة إلى الحال التي يكونون عليها ظالمين ويجري ذلك مجرى قول القائل أنا أود فلانا على غدره وأصله على هجره ﴿وإن ربك لشديد العقاب﴾ لمن استحقه وروي عن سعيد بن المسيب قال لما نزلت هذه الآية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنا أحدا العيش ولو لا وعيد الله وعقابه لا تكل كل واحد وتلا مطرف يوما هذه الآية فقال لو يعلم الناس قدر رحمة الله وعفو الله وتجاوز الله لقرت أعينهم ولو يعلم الناس قدر عذاب الله وبأس الله ونكال الله ونقمة الله ما رقا لهم دمع ولا قرت أعينهم بشيء ﴿ويقول الذين كفروا لو لا أنزل عليه آية من ربه﴾ مثل الناقة والعصا عن ابن عباس وقال الزجاج طلبوا غير الآيات التي أتى بها فالتمسوا مثل آيات موسى وعيسى فأعلم الله أن لكل قوم هاد والمعنى أنه سبحانه بين سوء طريقتهم في اقتراح الآيات كما في قوله لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا إلى قوله أو تأتي بالله والملائكة قبيلا وكما قالوا اجعل الصفا لنا ذهبا حتى نأخذ منه ما نشاء وإنما لم يظهر الله تعالى تلك الآيات لأنه لو أجاب أولئك لاقترح قوم آخرون آية أخرى وكذلك كل كافر فكان يؤدي إلى غير نهاية ﴿إنما أنت منذر ولكل قوم هاد﴾ فيه أقوال (أحدها) أن معناه إنما أنت منذر أي مخوف وهاد لكل قوم وليس إليك إنزال الآيات عن الحسن وأبي الضحى وعكرمة والجبائي وعلى هذا فيكون أنت مبتدأ ومنذر خبره وهاد عطف على منذر وفصل بين الواو والمعطوف بالظرف (والثاني) أن المنذر هو محمد والهادي هو الله تعالى عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك ومجاهد (والثالث) أن معناه إنما أنت منذر يا محمد ولكل قوم هاد نبي يهديهم وداع يرشدهم عن ابن عباس في رواية أخرى وقتادة والزجاج وابن زيد (والرابع) أن المراد بالهادي كل داع إلى الحق وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال لما نزلت الآية قال رسول الله أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي يا علي بك يهتدي المهتدون وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل بالإسناد عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير عن أبيه عن حكم بن جبير عن أبي بردة الأسلمي قال دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالطهور وعنده علي بن أبي طالب فأخذ رسول الله بيد علي بعد ما تطهر فألزمها بصدره ثم قال إنما أنت منذر ثم ردها إلى صدر علي ثم قال ولكل قوم هاد ثم قال إنك منارة الأنام وغاية الهدى وأمير القرى وأشهد على ذلك أنك كذلك وعلى هذه الأقوال الثلاثة يكون هاد مبتدأ ولكل قوم خبره على قول سيبويه ويكون مرتفعا بالظرف على قول الأخفش.