الآيات 46-50

وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿46﴾ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ﴿47﴾ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴿48﴾ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا مَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴿49﴾ وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿50﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وأهل الكوفة غير حفص وقتيبة آية من ربه على التوحيد والباقون ﴿آيات﴾ على الجمع.

الحجة:

قال أبو علي حجة الإفراد قوله فليأتنا بآية وقالوا لو لا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية وحجة الجمع أن في حرف أبي زعموا لو لا يأتينا بآيات من ربه ﴿قل إنما الآيات عند الله﴾ وقد تقع على لفظ الواحد ويراد به كثرة كما جاء وجعلنا ابن مريم وأمه آية وليس في قوله ﴿قل إنما الآيات عند الله﴾ دلالة على ترجيح من قرأ ﴿آيات﴾ لأنه لما اقترحوا آية قيل إنما الآيات عند الله والمعنى الآية التي اقترحتموها وآيات أخر لم تقترحوها.

اللغة:

أصل الجدل شدة الفتل يقال جدلته أجدله جدلا إذا فتلته فتلا شديدا والجدال فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج فيه وقيل إن أصله من الجدالة وهي الأرض فإن كل واحد من الخصمين يروم أن يلقي صاحبه بالجدالة.

الخط معروف والارتياب والريبة شك مع تهمة.

الإعراب:

﴿الذين ظلموا منهم﴾ في محل النصب على الاستثناء من ﴿أهل الكتاب﴾ ﴿وكذلك أنزلنا إليك الكتاب﴾ تقديره وكما أنزلنا إلى أهل الكتاب الكتاب أنزلنا إليك الكتاب.

﴿إذا لارتاب المبطلون﴾ اللام للقسم وفي الكلام حذف تقديره ولو خططته بيمينك أو تلوت قبله كتابا إذا والله لارتابوا به.

من ربه في موضع رفع بأنه صفة آية.

المعنى:

لما تقدم الأمر بالدعاء إلى الله سبحانه بين عقيبه كيف يدعونهم وكيف يجادلونهم فقال ﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب﴾ وهم نصارى بني نجران وقيل اليهود والنصارى ﴿إلا بالتي هي أحسن﴾ أي بالطريق التي هي أحسن وإنما يكون أحسن إذا كانت المناظرة برفق ولين لإرادة الخير والنفع بها ومثله قوله فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى والأحسن الأعلى في الحسن من جهة قبول العقل له وقد يكون أيضا أعلى في الحسن من جهة قبول الطبع وقد يكون في الأمرين جميعا وفي هذا دلالة على وجوب الدعاء إلى الله تعالى على أحسن الوجوه وألطفها واستعمال القول الجميل في التنبيه على آيات الله وحججه ﴿إلا الذين ظلموا منهم﴾ أي إلا من أبى أن يقر بالجزية منهم ونصب الحرب فجادلوا هؤلاء بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن مجاهد وسعيد بن جبير وقيل إلا الذين ظلموا منهم بالعناد وكتمان صفة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد العلم به عن أبي مسلم وقيل إلا الذين ظلموا منهم بالإقامة على الكفر بعد قيام الحجة عن ابن زيد والأولى أن يكون معناه إلا الذين ظلموك في جدالهم أو في غيره مما يقتضي الإغلاظ لهم فيجوز أن يسلكوا معهم طريقة الغلظة وقيل إن الآية منسوخة بآية السيف عن قتادة والصحيح أنها غير منسوخة لأن الجدال على الوجه الأحسن هو الواجب الذي لا يجوز غيره ﴿وقولوا﴾ لهم في المجادلة وفي الدعوة إلى الدين ﴿آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم﴾ أي بالكتاب الذي أنزل إلينا وبالكتاب الذي أنزل إليكم ﴿وإلهنا وإلهكم واحد﴾ لا شريك له ﴿ونحن له مسلمون﴾ أي مخلصون طائعون ﴿وكذلك﴾ أي ومثل ما أنزلنا الكتاب على موسى وعيسى ﴿أنزلنا إليك الكتاب﴾ وهو القرآن ﴿فالذين آتيناهم الكتاب﴾ أي علم الكتاب فحذف المضاف ﴿يؤمنون به﴾ يعني مؤمني أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام ونظرائه ﴿ومن هؤلاء﴾ يعني كفار مكة ﴿من يؤمن به﴾ يعني من أسلم منهم ويجوز أن تكون الهاء في ربه راجعة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويجوز أن تكون راجعة إلى القرآن ويحتمل أيضا أن يريد بقوله ﴿الذين آتيناهم الكتاب﴾ المسلمين والكتاب القرآن ومن هؤلاء يعني ومن اليهود والنصارى من يضمن به ﴿وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون﴾ أي وما ينكر دلالاتنا إلا الكافرون ولا يضرك جحودهم ثم خاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿وما كنت تتلو من قبله من كتاب﴾ أي وما كنت يا محمد تقرأ قبل القرآن كتابا والمعنى أنك لم تكن تحسن القراءة قبل أن يوحى إليك بالقرآن ﴿ولا تخطه بيمينك﴾ معناه وما كنت أيضا تكتبه بيدك ﴿إذا لارتاب المبطلون﴾ أي ولو كنت تقرأ كتاب أو تكتبه لوجد المبطلون طريقا إلى اكتساب الشك في أمرك وإلقاء الريبة لضعفة الناس في نبوتك ولقالوا إنما تقرأ علينا ما جمعته من كتب الأولين فلما ساويتهم في المولد والمنشأ ثم أتيت بما عجزوا عنه وجب أن يعلموا أنه من عند الله تعالى وليس من عندك إذ لم تجر العادة أن ينشأ الإنسان بين قوم يشاهدون أحواله من عند صغره إلى كبره ويرونه في حضره وسفره لا يتعلم شيئا من غيره ثم يأتي من عنده بشيء يعجز الكل عنه وعن بعضه ويقرأ عليهم أقاصيص الأولين.

قال الشريف الأجل المرتضى علم الهدى قدس الله روحه هذه الآية تدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان يحسن الكتابة قبل النبوة فأما بعد النبوة فالذي نعتقده في ذلك التجويز لكونه عالما بالكتابة والقراءة والتجويز لكونه غير عالم بهما من غير قطع على أحد الأمرين وظاهر الآية يقتضي أن النفي قد تعلق بما قبل النبوة دون ما بعدها ولأن التعليل في الآية يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوة لأن المبطلين إنما يرتابون في نبوته (صلى الله عليه وآله وسلم) لو كان يحسن الكتابة قبل النبوة فأما بعد النبوة فلا تعلق له بالريبة والتهمة فيجوز أن يكون قد تعلمها من جبرائيل (عليه السلام) بعد النبوة ثم قال سبحانه ﴿بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم﴾ يعني أن القرآن دلالات واضحات في صدور العلماء وهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنون به لأنهم حفظوه ووعوه ورسخ معناه في قلوبهم عن الحسن وقيل هم الأئمة (عليهم السلام) من آل محمد عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) وقيل إن هو كناية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أي أنه في كونه أميا لا يقرأ ولا يكتب آيات بينات في صدور العلماء من أهل الكتاب لأنه منعوت في كتبهم بهذه الصفة عن الضحاك وقال قتادة المراد به القرآن وأعطى هذه الأمة الحفظ ومن كان قبلها لا يقرءون الكتاب إلا نظرا فإذا طبقوه لم يحفظوا ما فيه إلا اليسير ﴿وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون﴾ الذين ظلموا أنفسهم بترك النظر فيها والعناد لها بعد حصول العلم لهم بها وقيل يريد بالظالمين كفار قريش واليهود ﴿وقالوا﴾ يعني كفار مكة ﴿لولا أنزل عليه آية من ربه﴾ أراد به الآيات التي اقترحوها في قوله وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا الآيات وأن يجعل الصفا ذهبا وقيل إنهم سألوا آية كآية موسى (عليه السلام) من فلق البحر وقلب العصا حية وجعلوا ما أتى به من المعجزات والآيات غير آية وحجة إلقاء للشبهة بين العوام فقال الله تعالى ﴿قل﴾ يا محمد لهم ﴿إنما الآيات عند الله﴾ ينزلها ويظهرها بحسب ما يعلم من مصالح عباده وينزل على كل نبي منها ما هو أصلح له ولأمته ولذلك لم تتفق آيات الأنبياء كلها وإنما جاء كل نبي بفن منها ﴿وإنما أنا نذير مبين﴾ أي منذر مخوف من معصية الله مظهر طريق الحق والباطل وقد فعل الله سبحانه ما يشهد بصدقي من المعجزات.