الآيات 94-97

فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴿94﴾ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿95﴾ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿96﴾ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ﴿97﴾

القراءة:

قد تقدم اختلاف القراء في كلمة وكلمات والوجه في ذلك.

اللغة:

الامتراء طلب الشك مع ظهور الدليل وهو من مري الضرع وهو مسحة ليدر فلا معنى لمسحه بعد دروره بالحليب.

الإعراب:

النون في قوله ﴿فلا تكونن﴾ نون التأكيد وهي لا تدخل في غير الواجب لأنك لا تقول أنت تكونن ودخلت في القسم على هذا الوجه لأنه يطلب بالقسم التصديق وإنما بنى الفعل مع نون التأكيد لأنها ركبت مع الفعل على تقدير كلمتين كل واحدة مركبة مع الأخرى مع أن الأولى ساكنة واقتضت حركة بناء لالتقاء الساكنين، ﴿ولو جاءتهم كل آية﴾ قال الأخفش أنث كل لأنها مضافة إلى مؤنث ولفظة كل للمذكر والمؤنث سواء والرؤية في الآية رؤية العين لأنها تعدت إلى مفعول واحد والعذاب وإن كان أليما وهو لا يصح أن يرى فإنه ترى أسبابه فهو بمنزلة ما يرى.

المعنى:

ثم بين سبحانه صحة نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال ﴿فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك﴾ اختلف المفسرون في معناه على أقوال أولها قال الزجاج إن هذه الآية قد كثر سؤال الناس عنها وخوضهم فيها وفي السورة ما يدل على بيانها فإن الله سبحانه يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وذلك الخطاب شامل للخلق فالمعنى فإن كنتم في شك فاسألوا والدليل عليه قوله في آخر السورة يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم الآية فأعلم الله سبحانه أن نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليس في شك ومثل هذا قوله ﴿يا أيها النبي إذا طلقتم النساء﴾ فقال طلقتم والخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وحده وهذا مذهب الحسن وابن عباس وأكثر أهل التأويل وروي عن الحسن وقتادة وسعيد بن جبير أنهم قالوا إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يشك ولم يسأل وهو المروي أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (وثانيها) أن الخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإن لم يشك وعلم الله سبحانه أنه غير شاك ولكن الكلام خرج مخرج التقرير والأفهام كما يقول القائل لعبده إن كنت عبدي فأطعني ولأبيه إن كنت والدي فتعطف على ولولده إن كنت ابني فبرني يريد بذلك المبالغة وربما خرجوا في المبالغة ما يستحيل كقولهم بكت السماء لموت فلان أي لو كان تبكي سماء على ميت لبكت عليه وكذلك هاهنا يكون المعنى لو كنت ممن يشك فشككت ﴿فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك﴾ عن الفراء وغيره (وثالثها) أن المعنى فإن كنت أيها المخاطب أو أيها السامع في شك مما أنزلنا إليك على لسان نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيكون الخطاب لغيره (ورابعها) ما ذكره الزجاج أنه يجوز أن يكون في معنى ما فيكون المعنى ما كنت في شك مما أنزلنا إليك ﴿فاسأل الذين يقرءون الكتاب﴾ أي لسنا نريد بأمرك أن تسأل لأنك شاك ولكن لتزداد إيمانا كما قال إبراهيم (عليه السلام) حين قال له أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي فالزيادة في التعريف ليست مما يبطل صحة العقيدة وإنما أمر سبحانه بسؤال أهل الكتاب مع جحد أكثرهم لنبوته فيه قولان (أحدهما) أنه أمره بأن يسأل مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار وتميم الداري وأشباههم عن ابن عباس ومجاهد والضحاك (والآخر) أن المراد سلهم عن صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) المبشر به في كتبهم ثم أنظر فيما وافق تلك الصفة وهذا القول أقوى لأن هذه السورة مكية وابن سلام وغيره إنما أسلموا بالمدينة وقال الزهري إن هذه الآية نزلت في السماء فإن صح ذلك فقد كفي المئونة ورواه أصحابنا أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام).

وقيل أيضا أن المراد بالشك الضيق والشدة بما يعانيه من نعتهم وأذاهم أي إن ضقت ذرعا بما تلقى من أذى قومك ﴿فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك﴾ كيف صبر الأنبياء على أذى قومهم فاصبر كذلك ﴿لقد جاءك الحق من ربك﴾ يعني بالحق القرآن والإسلام ﴿فلا تكونن من الممترين﴾ أي الشاكين ﴿ولا تكونن من الذين كذبوا ب آيات الله﴾ أي من جملة من يجحد آيات الله ولا يصدق بها ﴿فتكون من الخاسرين﴾ أي فإنك إن فعلت ذلك كنت من الخاسرين ولم يقل من الكافرين لأن الإنسان قد علم شدة تحسره وتأسفه على خسران ماله فكيف إذا خسر دينه ونفسه ﴿إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون﴾ معناه أن الذين أخبر الله عنهم بغير شرط أنهم لا يؤمنون فنفى الإيمان عنهم ولم ينف عنهم القدرة عليه فإن نفي الفعل لا يكون نفيا للقدرة عليه كما أن الله سبحانه نفى عن نفسه مغفرة المشركين ولم يكن ذلك نفيا لقدرته على مغفرتهم وقيل معناه إن الذين وجب عليهم سخط ربك عن قتادة وقيل معناه وجب عليهم وعيد ربك ﴿ولو جاءتهم كل آية﴾ أي كل معجزة ودلالة مما يقترحونها ﴿حتى يروا العذاب الأليم﴾ الموجع فيصيروا ملجئين إلى الإيمان وفي هذا إعلام بأن هؤلاء الكفار لا لطف لهم في المعلوم يؤمنون عنده إيمان اختيار.