الآيات 90-92

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿90﴾ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴿91﴾ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴿92﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير عاصم آمنت إنه بكسر الألف والباقون أنه بالفتح وروي عن أبي جعفر ونافع الآن بإلقاء حركة الهمزة على اللام وحذف الهمزة وقرأ ننجيك خفيفة قتيبة ويعقوب وسهل والباقون ﴿ننجيك﴾ بالتشديد وفي الشواذ قراءة أبي بن كعب ومحمد بن السميفع ننحيك بالحاء.

الحجة:

قال أبو علي من قرأ ﴿آمنت أنه﴾ بالفتح فلأن هذا الفعل يصل بحرف الجر في نحو يؤمنون بالغيب فلما حذف حرف الجر وصل الفعل إلى أن فصار في موضع نصب أو جر على الخلاف في ذلك ومن قرأ آمنت إنه بالكسر حمله على القول المضمر كأنه قال آمنت وقلت إنه وإضمار القول في هذا النحو كثير وقال علي بن عيسى من كسر إنه جعله بدلا من آمنت ومن فتح جعله معمول آمنت وأما الآن فإن لام المعرفة إذا دخلت على كلمة أولها الهمزة فخففت الهمزة كان في تخفيفها وجهان (أحدهما) أن يلقى حركتها على اللام وتقر همزة الوصل فيقال الحمر وقد حكى ذلك سيبويه وحكى أبو الحسن أن أناسا يقولون لحمر فيحذفون الهمزة التي للوصل قال:

فقد كنت تخفي حب سمراء حقبة

فبح لأن منها بالذي أنت بائح

فأسكن الحاء لما كانت اللام متحركة ولو لم يعتد بالحركة كما لم يعتد بها في الوجه الأول لحرك الحاء بالكسر كما يحرك في بح اليوم و﴿ننجيك﴾ وننجيك في معنى واحد أي نلقيك على نجوة من الأرض قال أوس بن حجر:

فمن بنجوته كمن بعقوته

والمستكن كمن يمشي بقرواح

والقرواح حيث لا ماء ولا شجر ومن قرأ ننحيك بالحاء فإنه نفعلك من الناحية أي نجعلك في ناحية ومنه نحيت الشيء فتنحى أي باعدته فتباعد فصار في ناحية قال الحطيئة:

تنحي فاجلسي مني بعيدا

أراح الله منك العالمينا

اللغة:

المجاوزة الخروج عن الحد من إحدى الجهات الأربع والاتباع طلب اللحاق بالأول اتبعه اتباعا وتبعه بمعنى وحكى أبو عبيدة عن الكسائي أنه قال إذا أريد أنه أتبعهم خيرا أو شرا قالوا بقطع الهمزة وإذا أريد به أنه اقتدى بهم واتبع أثرهم قالوا بتشديد التاء ووصل الهمزة والبغي طلب الاستعلاء بغير حق والعدو والعدوان الظلم والنجوة الأرض التي لا يعلوها السيل وأصلها من الارتفاع.

الإعراب:

مفعول له وقيل إنهما مصدران في موضع الحال أي في حال البغي والعدوان الآن فصل بين الزمان الماضي والمستقبل مع أنه إشارة إلى الحاضر ولهذا بني كما بني ذا وعرف الآن بالألف واللام وأمس يتضمن حرف التعريف لأن ما مضى بمنزلة المضمر في المعنى في أنه ليس له صورة والحاضر في معنى المصرح في صحة الصورة والعامل في قوله ﴿الآن﴾ محذوف وتقديره الآن آمنت.

المعنى:

ثم بين سبحانه مآل آل فرعون وقومه فقال ﴿وجاوزنا ببني إسرائيل البحر﴾ أي عبرنا بهم البحر حتى جاوزوه سالمين بأن يبسنا لهم البحر وفرقنا لهم الماء اثني عشر فرقا ﴿فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا﴾ أي ليبغوا عليهم ويظلموهم وذلك أن الله سبحانه لما أجاب دعاء موسى أمره بإخراج بني إسرائيل من مصر ليلا فخرج وتبعهم فرعون وجنوده مشرقين حتى انتهوا إلى البحر وأمر الله سبحانه موسى (عليه السلام) فضرب البحر بعصاه فانفلق اثني عشر فرقا وصار لكل سبط طريق يابس فارتفع بين كل طريقين الماء كالجبل وصار في الماء شبه الخروق فجعل بعضهم ينظر إلى بعض فلما وصل فرعون بجنوده إلى البحر رأوا البحر بتلك الهيأة فهابوا دخول البحر وكان فرعون على حصان أدهم فجاء جبرائيل (عليه السلام) على فرس وديق وخاض البحر وميكائيل يسوقهم فلما شم أدهم فرعون ريح فرس جبريل (عليه السلام) انسل خلفه في الماء واقتحمت الخيول خلفه فلما دخل آخرهم البحر وهم أولهم أن يخرج انطبق الماء عليهم ﴿حتى إذا أدركه الغرق﴾ أي وصل إليه الغرق وأيقن بالهلاك ﴿قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين﴾ وكان ذلك إيمان إلجاء لا يستحق به الثواب فلم ينفعه إيمانه ﴿الآن وقد عصيت﴾ قيل فيه إضمار أي قيل له الآن آمنت حين لا ينفع الإيمان ولا يقبل لأنه حال الإلجاء ﴿وقد عصيت﴾ بترك الإيمان في حال ما ينفعك الإيمان فهلا آمنت ﴿قبل﴾ وذلك ﴿وكنت من المفسدين﴾ في الأرض بقتل المؤمنين وادعاء الإلهية وأنواع الكفر واختلف في قائل هذا القول فقيل قاله جبريل (عليه السلام) وقيل ذلك كلام الله تعالى قاله له على وجه الإهانة والتوبيخ وكان ذلك معجزة لموسى (عليه السلام) وروى علي بن إبراهيم بن هاشم بإسناده عن الصادق (عليه السلام) قال ما أتى جبريل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلا كئيبا حزينا ولم يزل كذلك منذ أهلك الله فرعون فلما أمر الله سبحانه بنزول هذه الآية نزل وهو ضاحك مستبشر فقال له حبيبي جبريل ما أتيتني إلا وبينت الحزن في وجهك حتى الساعة قال نعم يا محمد لما غرق الله فرعون ﴿قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل﴾ فأخذت حمأة فرضعتها في فيه ثم قلت له ﴿الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين﴾ ثم خفت أن تلحقه الرحمة من عند الله فيعذبني على ما فعلت فلما كان الآن وأمرني أن أؤدي إليك ما قلته أنا لفرعون آمنت وعلمت أن ذلك كان لله رضا ﴿فاليوم ننجيك ببدنك﴾ اختلف في معناه فقال أكثر المفسرين معناه لما أغرق الله فرعون وقومه أنكر بعض بني إسرائيل غرق فرعون وقالوا هو أعظم شأنا من أن يغرق فأخرجه الله حتى رأوه فذلك قوله ﴿فاليوم ننجيك﴾ أي نلقيك على نجوة من الأرض وهي المكان المرتفع ببدنك أي بجسدك من غير روح وذلك أنه طفا عريانا وقيل معناه نخلصك من البحر وأنت ميت والبدن الدرع قال ابن عباس كانت عليه درع من ذهب يعرف بها فالمعنى نرفعك فوق الماء بدرعك المشهورة ليعرفوك بها ﴿لتكون لمن خلفك آية﴾ أي لتكون نكالا لمن خلفك فلا يقولوا مثل مقالتك عن الكلبي وقيل أنه كان يدعي أنه رب فبين الله أمره وأنه عبد وفيه من الآية أنه غرق مع القوم وأخرج هو من بينهم وكان ذلك آية عن الزجاج ﴿وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون﴾ يعني أن كثيرا من الناس عن التفكر في دلالاتنا والتدبر لحججنا وبيناتنا غافلون أي ذاهبون.