الآيات 103-105

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿103﴾ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿104﴾ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿105﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر ﴿إن صلاتك﴾ وفي هود أ صلاتك على التوحيد وقرأ الباقون أن صلواتك أ صلواتك على الجمع.

الحجة:

قال أبو علي الصلاة في اللغة الدعاء قال الأعشى في الخمر:

وقابلها الريح في دنها

وصلى على دنها وارتسم فكان معنى ﴿صل عليهم﴾ ادع لهم فإن دعاءك لهم تسكن إليه نفوسهم وتطيب به فأما قولهم صلى الله على رسوله وملائكته فلا يقال فيه أنه دعاء لهم من الله تعالى كما لا يقال في نحو ويل للمطففين ونحوه أنه دعاء عليهم ولكن المعنى فيه أن هؤلاء ممن يستحق عندكم أن يقال فيهم هذا النحو من الكلام وكذلك قوله بل عجبت ويسخرون فيمن ضم الياء وهذا مذهب سيبويه فإذا كانت الصلاة مصدرا وقع على الجمع والمفرد على لفظ واحد كصوت الحمير فإذا اختلف جاز أن يجمع لاختلاف ضروبه كما قال إن أنكر الأصوات فأما من زعم أن الصلاة أولى لأن الصلاة للكثرة والصلوات للقليل فلم يكن قوله متجها لأن الجمع بالتاء قد يقع على الكثير كما يقع على القليل كقوله ﴿وهم في الغرفات آمنون﴾ وقوله ﴿إن المسلمين والمسلمات﴾ وقوله ﴿إن المصدقين والمصدقات﴾ فقد يقع هذا الجمع على الكثير كما يقع على القليل.

الإعراب:

قوله ﴿تطهرهم﴾ إنما ارتفع لأحد أمرين إما أن يكون صفة لصدقة ويكون التاء للتأنيث ويكون قوله ﴿بها﴾ للتبيين ويكون التقدير صدقة مطهرة وإما أن يكون التاء خطابا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والتقدير فإنك تطهرهم بها فتكون صفة لصدقة أيضا ويكون الضمير في بها للصدقة الموصوفة وأما وتزكيهم فلا يكون إلا للخطاب وقيل أن تطهرهم يجوز أن يكون على الاستئناف وحمله على الاتصال أولى.

المعنى:

ثم خاطب سبحانه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأمره بأخذ الصدقة من أموالهم تطهيرا لهم وتكفيرا لسيئاتهم فقال ﴿خذ﴾ يا محمد ﴿من أموالهم﴾ أدخل من للتبعيض لأنه لم يجب أن يصدق بالجميع وإنما قال ﴿من أموالهم﴾ ولم يقل من مالهم حتى يشتمل على أجناس المال كلها وهذا يدل على وجوب الأخذ من سائر أموال المسلمين لاستوائهم في أحكام الدين إلا ما خصه الدليل ﴿صدقة﴾ قيل أراد بها الأمر بأن يأخذ الصدقة من أموال هؤلاء التائبين تشديدا للتكليف وليست بالصدقة المفروضة بل هي على سبيل الكفارة للذنوب التي أصابوها عن الحسن وغيره وقيل أراد بها الزكاة المفروضة عن الجبائي وأكثر أهل التفسير وهو الظاهر لأن حمله على الخصوص بغير دليل لا وجه له فيكون أمرا بأن يأخذ من المالكين للنصاب الزكاة من الورق إذا بلغ مائتي درهم ومن الذهب إذا بلغ عشرين مثقالا ومن الإبل إذا بلغت خمسا ومن البقر إذا بلغت ثلاثين ومن الغنم إذا بلغت أربعين ومن الغلات والثمار إذا بلغت خمسة أو ستة ﴿تطهرهم وتزكيهم بها﴾ معناه تطهرهم تلك الصدقة عن دنس الذنوب وتزكيهم أنت بها أي تنسبهم إلى الزكاة وتدعو لهم بما يصيرون به أزكياء وقيل معناه تطهرهم أنت وتزكيهم أنت بها فيكون كلا الفعلين مضافا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿وصل عليهم﴾ هذا أمر من الله تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يدعو لمن يأخذ منه الصدقة ومعناه ادع لهم بقبول صدقاتهم كما يقول الداعي آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال اللهم صل عليهم وقال عبد الله بن أبي أوفى وكان من أصحاب الشجرة فأتاه ابن أبي أوفى بصدقة فقال اللهم صل على آل أبي أوفى أورده البخاري ومسلم في الصحيح ﴿إن صلاتك سكن لهم﴾ أي أن دعواتك مما تسكن نفوسهم إليه وقيل رحمة لهم عن ابن عباس وقيل وقار وطمأنينة لهم أن الله قد قبل منهم عن قتادة والكلبي وقيل تثبيت لهم عن أبي عبيدة ﴿والله سميع عليم﴾ يسمع دعاءك لهم ويعلم ما يكون منهم في الصدقات ﴿ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده﴾ استفهام يراد به التنبيه على ما يجب أن يعلم فالمخاطب إذا رجع إلى نفسه وفكر فيما نبه عليه علم وجوبه وإنما وجب أن يعلم أن الله يقبل التوبة لأنه إذا علم ذلك كان ذلك داعيا إلى فعل التوبة والتمسك بها والمسارعة إليها وما هذه صورته يجب العلم به ليحصل به الفوز بالثواب والخلاص من العقاب والسبب فيه أنهم لما سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يأخذ من أموالهم ما يكون كفارة لذنوبهم امتنع من ذلك انتظارا لإذن من الله سبحانه فيه فبين الله أنه ليس قبول التوبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإن ذلك إلى الله عز اسمه فإنه الذي يقبلها ﴿ويأخذ الصدقات﴾ أي يتقبلها ويضمن الجزاء عليها قال الجبائي جعل الله أخذ النبي والمؤمنين للصدقات أخذا من الله على وجه التشبيه والمجاز من حيث كان بأمره وقد ورد الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال أن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تصل إلى يد السائل والمراد بذلك أنها تنزل هذا التنزيل ترغيبا للعباد في فعلها وذاك يرجع إلى تضمن الجزاء عليها ﴿وأن الله هو التواب الرحيم﴾ عطف على ما قبله ولذلك فتح أن وقد مر تفسيره ﴿وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون﴾ هذا أمر من الله سبحانه لنبيه أن يقول للمكلفين اعملوا ما أمركم الله به عمل من يعلم أنه مجازا على فعله فإن الله سيرى عملكم وإنما أدخل سين الاستقبال لأن ما لم يحدث لا يتعلق به الرؤية فكأنه قال كل ما تعملونه يراه الله تعالى وقيل أراد بالرؤية هاهنا العلم الذي هو المعرفة ولذلك عداه إلى مفعول واحد أي يعلم الله تعالى ذلك فيجازيكم عليه ويراه رسوله أي يعلمه فيشهد لكم بذلك عند الله تعالى ويراه المؤمنون قيل أراد بالمؤمنين الشهداء وقيل أراد بهم الملائكة الذين هم الحفظة الذين يكتبون الأعمال وروى أصحابنا أن أعمال الأمة تعرض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في كل اثنين وخمسين فيعرفها وكذلك تعرض على أئمة الهدى (عليهم السلام) فيعرفونها وهم المعنيون بقوله ﴿والمؤمنون﴾ وإنما قال ﴿سيرى الله﴾ مع أنه سبحانه عالم بالأشياء قبل وجودها لأن المراد بذلك أنه سيعلمها موجودة بعد أن علمها معدومة وكونه عالما بأنها ستوجد هو كونه عالما بوجودها إذا وجدت لا يتجدد حال له بذلك ﴿وستردون إلى عالم الغيب والشهادة﴾ أي سترجعون إلى الله الذي يعلم السر والعلانية ﴿فينبؤكم﴾ أي يخبركم ﴿بما كنتم تعملون﴾ ويجازيكم عليه.