الآيات 101-102

وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴿101﴾ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿102﴾

اللغة:

حول الشيء المحيط به من حال يحول إذا دار بالانقلاب ومنه الحول للسنة والمحالة لأنها تدور في المحور والمرد أصله الملاسة ومنه صرح ممرد أي مملس والأمرد الذي لا شعر على وجهه والمرداء الرملة التي لا تنبت شيئا ذكره علي بن عيسى وقيل أصله الظهور والمارد الذي ظهر شره وشجرة مرداء إذا تساقط ورقها فظهرت عيدانها ورجل أمرد لظهور مكان الشعر منه عن ابن عرفة ومرد الرجل يمرد مرودا إذا عتا وخرج من الطاعة واعيا خبثا ومنه شيطان مارد ومريد وفي المثل تمرد مارد وعز الأبلق وهما حصنان.

الإعراب:

﴿ومن أهل المدينة مردوا﴾ أي قوم مردوا فحذف الموصوف ويجوز أن يكون التقدير ومن أهل المدينة منافقون مردوا على النفاق ففصل بين الصفة والموصوف بالظرف و﴿آخرون اعترفوا﴾ معطوف على قوله ﴿من الأعراب منافقون﴾ وكذلك وآخرون مرجون وإن شئت قدرت ومنهم آخرون.

المعنى:

ثم عاد الكلام إلى ذكر المنافقين فقال سبحانه ﴿وممن حولكم﴾ أي ومن جملة من حولكم يعني حول مدينتكم ﴿من الإعراب﴾ وهم الذين يسكنون البدو إذا كانوا مطبوعين على العربية ﴿منافقون﴾ يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر وقيل إنهم جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار وكانت منازلهم حول المدينة ﴿ومن أهل المدينة﴾ أيضا منافقون وإنما حذف لدلالة الأول عليه ﴿مردوا على النفاق﴾ أي مرنوا على النفاق وتجرءوا عليه عن الفراء وقيل معناه أقاموا عليه لم يتوبوا منه كما تاب غيرهم عن ابن زيد وأبان بن تغلب وقيل معناه لجوا فيه وأبوا غيره عن ابن إسحاق وقيل فيه تقديم وتأخير وتقديره وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا على النفاق ومن أهل المدينة أيضا مثل ذلك عن الزجاج ﴿لا تعلمهم﴾ يا محمد أي لا تعرفهم ﴿نحن نعلمهم﴾ أي نعرفهم ﴿سنعذبهم مرتين﴾ فيه أقوال (أحدها) أن معناه نعذبهم في الدنيا بالفضيحة فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذكر رجالا منهم وأخرجهم من المسجد يوم الجمعة في خطبته وقال أخرجوا فإنكم منافقون ويعذبهم في القبر عن ابن عباس والسدي والكلبي وقيل مرة في الدنيا بالسبي والقتل ومرة في الآخرة بعذاب القبر عن مجاهد وروى حصيف عنه عذبوا بالجوع مرتين وقيل إحداهما أخذ الزكاة منهم والأخرى عذاب القبر عن الحسن وقيل إحداهما غيظهم من أهل الإسلام والأخرى عذاب القبر عن ابن إسحاق وقيل إن الأولى ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند قبض أرواحهم والأخرى عذاب القبر وقيل إن الأولى إقامة الحدود عليهم والأخرى عذاب القبر عن ابن عباس وكل ذلك محتمل غير أنا نعلم أن المرتين معا قبل أن يردوا إلى عذاب النار ﴿ثم يردون إلى عذاب عظيم﴾ أي يرجعون يوم القيامة إلى عذاب مؤبد في النار ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم﴾ يعني من أهل المدينة أو من الأعراب آخرون أقروا بذنوبهم وليس براجع إلى المنافقين والاعتراف الإقرار بالشيء عن معرفة ﴿خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا﴾ يعني أنهم يفعلون أفعالا جميلة ويفعلون أفعالا سيئة قبيحة والتقدير وعملا آخر سيئا ﴿عسى الله أن يتوب عليهم﴾ قال المفسرون عسى من الله واجبة وإنما قال عسى حتى يكونوا بين طمع وإشفاق فيكون ذلك أبعد من الاتكال على العفو وإهمال التوبة وفي هذا دلالة على بطلان القول بالإحباط لأنه لو صح الإحباط لكان أحد العملين إذا طرأ على الآخر أحبطه وأبطله فلم يجتمعا فلا يكون لقوله ﴿خلطوا﴾ معنى وقال بعض التابعين ما في القرآن آية أرجى لهذه الأمة من هذه الآية وقد يستعمل لفظ الخلط في الجمع من غير امتزاج يقال خلط الدراهم والدنانير وقيل أنه يجري مجرى قولهم استوى الماء والخشبة أي مع الخشبة وقيل إن خلط بالتخفيف في الخير وخلط بالتشديد في الشر ﴿إن الله غفور رحيم﴾ هذا تعليل لقبول التوبة من العصاة أي لأنه غفور رحيم.

النزول:

قال أبو حمزة الثمالي بلغنا أنهم ثلاثة نفر من الأنصار أبو لبابة بن عبد المنذر وثعلبة بن وديعة وأوس بن حذام تخلفوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عند مخرجه إلى تبوك فلما بلغهم ما أنزل الله فيمن تخلف عن نبيه أيقنوا بالهلاك وأوثقوا أنفسهم بسواري المسجد فلم يزالوا كذلك حتى قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فسأل عنهم فذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلون أنفسهم حتى يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يحلهم وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأنا أقسم لا أكون أول من حلهم إلا أن أؤمر فيهم بأمر فلما نزل ﴿عسى الله أن يتوب عليهم﴾ عمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إليهم فحلهم فانطلقوا فجاؤوا بأموالهم إلى رسول الله فقالوا هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فخذها وتصدق بها عنا قال (عليه السلام) ما أمرت فيها فنزل ﴿خذ من أموالهم صدقة﴾ الآيات وقيل أنهم كانوا عشرة رهط منهم أبو لبابة عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقيل كانوا ثمانية منهم أبو لبابة وهلال وكردم وأبو قيس عن سعيد بن جبير وزيد بن أسلم وقيل كانوا سبعة عن قتادة وقيل كانوا خمسة وروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنها نزلت في أبي لبابة ولم يذكر غيره معه وسبب نزولها فيه ما جرى منه في بني قريظة حين قال إن نزلتم على حكمه فهو الذبح وبه قال مجاهد وقيل نزلت فيه خاصة حين تأخر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في غزوة تبوك فربط نفسه بسارية على ما تقدم ذكره عن الزهري ثم قال أبو لبابة يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأنا أنخلع من مالي كله قال يجزيك يا أبا لبابة الثلث وفي جميع الأقوال أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثلث أموالهم وترك الثلثين لأن الله تعالى قال ﴿خذ من أموالهم﴾ ولم يقل خذ أموالهم.