الآيات 41-49
أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴿41﴾ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ ﴿42﴾ أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿43﴾ وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ ﴿44﴾ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ﴿45﴾ يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ﴿46﴾ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿47﴾ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴿48﴾ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴿49﴾
القراءة:
قرأ ابن عامر وعاصم يصعقون بضم الياء والباقون بفتحها وقرأ زيد عن يعقوب وأدبار النجوم بفتح الألف والباقون بكسرها.
الحجة:
يقال صعق الرجل يصعق ومن قرأ ﴿يصعقون﴾ بضم الياء فإنه على نقل الفعل بالهمزة صعقهم وأصعقهم غيرهم وحكى أبو الحسن صعق فعلى هذا يجوز أن يكون يصعقون منه ومن قرأ وأدبار النجوم فإنه يكون كقولهم أعقاب النجوم قال:
فأصبحت من ليلي الغداة كناظر
مع الصبح في أعقاب نجم مغرب
اللغة:
الكيد هو المكر وقيل هو فعل ما يوجب الغيظ في خفية والكسف جمع كسفة فهو مثل سدرة وسدر والكسفة القطعة من الغيم بقدر ما يكسف ضوء الشمس والمركوم هو الموضوع بعضه على بعض.
المعنى:
ثم قال سبحانه ﴿أم عندهم الغيب فهم يكتبون﴾ أي أعندهم الغيب حتى علموا أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) يموت قبلهم وهذا جواب لقولهم نتربص به ريب المنون عن قتادة وقيل أعندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون منه ويخبرون به الناس عن ابن عباس وقيل هو جواب لقولهم إن كان أمر الآخرة حقا كما تدعون فلنا الجنة ومثله ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى عن الحسن والغيب الذي لا يعلمه إلا الله هو ما لا يعلمه العاقل ضرورة ولا عليه دلالة فالله عالم به لأنه يعلمه لنفسه والعالم لنفسه يعلم جميع المعلومات فلا يخفى عليه شيء منها ﴿أم يريدون كيدا﴾ أي مكرا بك وتدبير سوء في بابك سرا على ما دبروه في دار الندوة ﴿فالذين كفروا هم المكيدون﴾ أي هم المجزيون بكيدهم فإن ضرر ذلك يعود عليهم ويحيق بهم مكرهم كما جزى الله سبحانه أهل دار الندوة بكيدهم أن قتلهم ببدر ﴿أم لهم إله غير الله﴾ يرزقهم ويحفظهم وينصرهم يعني أن الذين اتخذوهم آلهة لا تنفعهم لا تدفع عنهم ثم نزه سبحانه نفسه فقال ﴿سبحان الله عما يشركون﴾ به من الآلهة ثم ذكر سبحانه عنادهم وقسوة قلوبهم فقال ﴿وإن يروا كسفا من السماء ساقطا﴾ يعني إن عذبناهم بسقوط بعض من السماء عليهم لن ينتهوا عن كفرهم وقالوا هو قطعة من السحاب وهو قوله ﴿يقولوا سحاب مركوم﴾ بعضه على بعض وكل هذه الأمور المذكورة بعد أم في هذه السورة إلزامات لعبدة الأوثان على مخالفة القرآن ثم قال سبحانه يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿فذرهم﴾ يا محمد أي اتركهم ﴿حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون﴾ أي يهلكون بوقوع الصاعقة عليهم وقيل الصعقة النفخة الأولى التي يهلك عندها جميع الخلائق ثم وصف سبحانه ذلك اليوم فقال ﴿يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا﴾ أي لا تنفعهم حيلتهم ولا تدفع عنهم شيئا ﴿ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا﴾ يعني كفار مكة ﴿عذابا دون ذلك﴾ أي دون عذاب الآخرة يعني القتل يوم بدر عن ابن عباس وقيل يريد عذاب القبر عن ابن عباس أيضا والبراء بن عازب وقيل هو الجوع في الدنيا والقحط سبع سنين عن مجاهد وقيل هو مصائب الدنيا عن ابن زيد وقيل هو عام جميع ذلك ﴿ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾ ما هو نازل بهم ﴿واصبر﴾ يا محمد ﴿لحكم ربك﴾ الذي حكم به وألزمك التسليم له إلى أن يقع عليهم العذاب الذي حكمنا عليهم وقيل واصبر على أذاهم حتى يرد أمر الله عليك بتخليصك ﴿فإنك بأعيننا﴾ أي بمرأى منا ندركك ولا يخفى علينا شيء من أمرك ونحفظك لئلا يصلوا إلى شيء من أمرك ونحفظك لئلا يصلوا إلى شيء من مكروهك ﴿وسبح بحمد ربك حين تقوم﴾ من نومك عن أبي الأحوص وقيل حين تقوم إلى الصلاة المفروضة فقل سبحانك اللهم وبحمدك عن الضحاك وقيل معناه وصل بأمر ربك حين تقوم من مقامك عن ابن زيد وقيل الركعتان قبل صلاة الفجر عن ابن عباس والحسن وقيل حين تقوم من نوم القائلة وهي صلاة الظهر عن زيد بن أسلم وقيل حين تقوم من المجلس فقل سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت اغفر لي وتب علي عن عطا وسعيد بن جبير وقد روي مرفوعا أنه كفارة المجلس وقيل معناه اذكر الله بلسانك حين تقوم إلى الصلاة إلى أن تدخل في الصلاة عن الكلبي فهذه سبعة أقوال ﴿ومن الليل فسبحه﴾ يعني صلاة الليل وروى زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) في هذه الآية قالا إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقوم من الليل ثلاث مرات فينظر في آفاق السماء ويقرأ الخمس من آل عمران التي آخرها إنك لا تخلف الميعاد ثم يفتتح صلاة الليل الخبر بتمامه وقيل معناه صل المغرب والعشاء الآخرة عن مقاتل ﴿وإدبار النجوم﴾ يعني الركعتين قبل صلاة الفجر عن ابن عباس وقتادة وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) وذلك حين تدبر النجوم أي تغيب بضوء الصبح وقيل يعني صلاة الفجر المفروضة عن الضحاك وقيل إن المعنى لا تغفل عن ذكر ربك صباحا ومساء ونزهه في جميع أحوالك ليلا نهارا فإنه لا يغفل عنك وعن حفظك وفي هذه الآية دلالة على أنه سبحانه قد ضمن حفظه وكلاءته حتى يبلغ رسالته.