الآيات 83-86

فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴿83﴾ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ﴿84﴾ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿85﴾ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿86﴾

اللغة:

الذرية الجماعة من نسل القبيلة وقد تقدم القول في أصلها ووزنها والفتنة أصلها البلية وهي معاملة تظهر الأمور الباطنة يقال فتنت الذهب إذا أحرقته بالنار ليظهر الخلاص وقوله ﴿يوم هم على النار يفتنون﴾ أي يحرقون لما فيه من إظهار حالهم في الضلال وقوله ﴿والفتنة أشد من القتل﴾ معناه التعذيب للرد عن الدين لما فيه من إظهار النصرة أشد.

الإعراب:

﴿يا قوم﴾ حذفت منه ياء الإضافة اجتزاء بالكسرة منها وهو في النداء أحسن من إثباتها لقوة النداء على التغيير والفاء في قوله ﴿فقالوا﴾ فاء العطف وجواب الأمر كما تقول قال السائل كذا فقال المجيب كذا وإنما جازت الفاء في الجواب ولم تجز الواو لأن الفاء تترتب من غير مهلة فهي موافقة لمعنى وجوب الثاني بالأول وليس كذلك الواو.

المعنى:

ثم بين سبحانه من آمن من قوم موسى (عليه السلام) فقال ﴿فما آمن لموسى﴾ أي لم يصدق موسى في ما ادعى من النبوة مع ما أظهره من المعجزات الظاهرة ﴿إلا ذرية من قومه﴾ أي أولاد من قوم فرعون وقيل أراد من قوم موسى (عليه السلام) وهم بنو إسرائيل الذين كانوا بمصر واختلف من قال بالأول فقيل أنهم قوم كانت أمهاتهم من بني إسرائيل وآباؤهم من القبط فاتبعوا أمهاتهم وأخوالهم عن ابن عباس وقيل أنهم أناس يسير من قوم فرعون منهم امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون وجارية وامرأة هي مشاطة امرأة فرعون عن عطية عن ابن عباس وقيل أنهم بعض أولاد القبط لم يستجب آباؤهم موسى واختلف من قال بالثاني فقيل هم جماعة من بني إسرائيل أخذهم فرعون لتعلم السحر وجعلهم من أصحابه ف آمنوا بموسى عن الجبائي وقيل أراد مؤمني بني إسرائيل وكانوا ستمائة ألف وكان يعقوب دخل مصر منهم باثنين وسبعين إنسانا فتوالدوا حتى بلغوا ستمائة ألف وإنما سماهم ذرية على وجه التصغير لضعفهم عن ابن عباس في رواية أخرى وقال مجاهد أراد بهم أولاد الذين أرسل إليهم موسى من بني إسرائيل لطول الزمان هلك الآباء وبقي الأبناء ﴿على خوف من فرعون﴾ يعني آمنوا وهم خائفون من معرة فرعون ﴿وملإيهم﴾ ومن أشرافهم ورؤسائهم قال الزجاج وإنما جاز أن يقال ﴿وملإيهم﴾ لأن فرعون ذو أصحاب يأتمرون له وقيل أن الضمير في ﴿ملإيهم﴾ راجع إلى الذرية لأن آباءهم كانوا من القبط وكانوا يخافون قومهم من القبط أن يصرفوهم عن دينهم ويعذبوهم ﴿أن يفتنهم﴾ أي يصرفهم عن الدين يعني أن يمتحنهم لمحنة لا يمكنهم الصبر عليها فينصرفون عن الدين وكان جنود فرعون يعذبون بني إسرائيل فكان خوفهم منه ومنهم ﴿وإن فرعون لعال في الأرض﴾ أي مستكبر باغ طاغ في أرض مصر ونواحيها ﴿وإنه لمن المسرفين﴾ أي من المجاوزين الحد في العصيان لأنه ادعى الربوبية وأسرف في القتل والظلم والإسراف التجاوز عن الحد في كل شيء ﴿وقال موسى﴾ لقومه الذين آمنوا به ﴿يا قوم إن كنتم آمنتم بالله﴾ كما تظهرون ﴿فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين﴾ أي فأسندوا أموركم إليه إن كنتم مسلمين على الحقيقة وإنما أعاد قوله ﴿إن كنتم مسلمين﴾ بعد قوله ﴿إن كنتم آمنتم بالله﴾ ليتبين المعنى باجتماع الصفتين التصديق والانقياد أي إن كنتم آمنتم بالله فاستسلموا لأمره وفائدة الآية بيان وجوب التوكل على الله عند نزول الشدة والتسليم لأمره ثقة بحسن تدبيره وانقطاعا إليه ﴿فقالوا على الله توكلنا﴾ أخبر سبحانه عن حسن طاعتهم له وأنهم قالوا أسندنا أمورنا إلى الله واثقين ﴿ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين﴾ أي لا تمكن الظالمين من ظلمنا بما يحملنا على إظهار الانصراف عن ديننا عن مجاهد وقيل معناه ربنا لا تظهر علينا فرعون وقومه فيفتتن بنا الكفار ويقولوا لو كانوا على الحق لما ظفرنا عليهم عن الحسن وأبي مجاز وروى زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) أن معناه لا تسلطهم علينا فتفتنهم بنا ﴿ونجنا﴾ وخلصنا ﴿برحمتك من القوم الكافرين﴾ أي من قوم فرعون واستعبادهم إيانا وأخذهم جماعتنا بالأعمال الشاقة والمهن الخسيسة.