الآيات 74-78

ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ ﴿74﴾ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ﴿75﴾ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿76﴾ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ﴿77﴾ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴿78﴾

القراءة:

روى حماد ويحيى عن أبي بكر وزيد عن يعقوب ويكون لكما الكبرياء بالياء والباقون بالتاء.

الحجة:

الوجه في الياء أن تأنيث الكبرياء غير حقيقي وقد فصل أيضا بينه وبين الفعل ومن قرأ بالتاء فلأن لفظه لفظ التأنيث.

اللغة:

الإجرام اكتساب السيئة وأصله القطع واللفت الصرف عن الأمر يقال لفته يلفته لفتا وامرأة لفوت ذات زوج لها ولد من غيره لأنها تلفت إلى ولدها عنقها.

المعنى:

ثم بين سبحانه قصة من بعثه بعد نوح فقال ﴿ثم بعثنا من بعده﴾ أي من بعد نوح وإهلاك قومه ﴿رسلا﴾ يريد إبراهيم وهودا وصالحا ولوطا وشعيبا ﴿إلى قومهم﴾ الذين كانوا فيهم بعد أن تناسلوا وكثروا ﴿فجاءوهم بالبينات﴾ أي فأتوهم بالبراهين والمعجزات الدالة على صدقهم الشاهدة بنبوتهم ﴿فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل﴾ أي لم يكونوا ليصدقوا يعني أولئك الأقوام الذين بعث إليهم الرسل بما كذبت به أوائلهم الذين هم قوم نوح أي كانوا مثلهم في الكفر والعتو وقيل معناه لم يكن منهم من يؤمن من بعد هذه الآيات بما كذبوا به من قبلها بل كانت الحالتان سواء عندهم قبل البينات وبعدها عن أبي مسلم والبلخي ﴿كذلك نطبع على قلوب المعتدين﴾ أي نجعل على قلوب الظالمين لنفوسهم الذين تعدوا حدود الله سمة وعلامة على كفرهم يلزمهم الذم بها ويعرفهم بها الملائكة كما فعلنا ذلك بقلوب هؤلاء الكفار وقد مر معاني الطبع والختم فيما تقدم ﴿ثم بعثنا من بعدهم﴾ أي من بعد الرسل أو من بعد الأمم ﴿موسى وهارون﴾ (عليهما السلام) نبيين مرسلين ﴿إلى فرعون وملأه﴾ أي ورؤساء قومه ﴿بآياتنا﴾ أي بأدلتنا ومعجزاتنا ﴿فاستكبروا﴾ عن الانقياد لها والإيمان بها ﴿و كانوا قوما مجرمين﴾ عاصين لربهم مستحقين للعقاب الدائم ﴿فلما جاءهم﴾ أي جاء قوم فرعون ﴿الحق من عندنا﴾ يعني ما أتى به موسى من المعجزات والبراهين ﴿قالوا إن هذا لسحر مبين﴾ أي ظاهر ﴿قال موسى﴾ لهم ﴿أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا﴾ أي أتقولون لمعجزاته سحر والسحر باطل والمعجز حق وهما متضادان ﴿ولا يفلح الساحرون﴾ أي لا يظفرون بحجة ولا يأتون على ما يدعونه ببينة وإنما هو تمويه على الضعفة ﴿قالوا﴾ يعني قال فرعون وقومه لموسى ﴿أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا﴾ أي لتصرفنا عن ذلك ﴿وتكون لكما الكبرياء﴾ أي الملك عن مجاهد وقيل العظمة والسلطان والأصل إن الكبرياء استحقاق صفة الكبر في أعلى المراتب ﴿في الأرض﴾ أي في أرض مصر وقيل أراد اسم الجنس والمراد به الإنكار وإن كان اللفظ لفظ الاستفهام تعلقوا بالشبهة في أنهم على رأي آبائهم وإن من دعاهم إلى خلافه فظاهر أمره أنه يريد التأمر عليهم فلم يطيعوه ﴿وما نحن لكما بمؤمنين﴾ أي بمصدقين فيما تدعيانه من النبوة.