الآيات 71-73

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ ﴿71﴾ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿72﴾ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الفلكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ ﴿73﴾

القراءة:

قرأ يعقوب وحده وشركاؤكم بالرفع وهو قراءة الحسن وابن أبي إسحاق وأبي عبد الرحمن السلمي وعيسى الثقفي وقرأ الباقون ﴿وشركاءكم﴾ بالنصب وفي الشواذ قراءة الأعرج وعاصم والجحدري والزهري فاجمعوا أمركم مفتوحة الميم موصولة الهمزة من جمع.

الحجة:

من قرأ ﴿فاجمعوا أمركم وشركاؤكم﴾ بالرفع رفعه على العطف على الضمير في أجمعوا وساغ عطفه على الضمير من غير توكيد من أجل طول الكلام بقوله ﴿أمركم﴾ وإذا جاز في قوله سبحانه ﴿ما أشركنا ولا آباؤنا﴾ إن نكتفي من طول الكلام بلا وإن كانت بعد حرف العطف كان الاكتفاء من التوكيد بما هو أطول من لا وهو أيضا قبل الواو كما أن التوكيد لو ظهر لكان قبلها أحرى فلو قال قائل قم وزيد كان أقبح من أن يقول قمت وزيد وذلك لأن المعطوف عليه في قم وزيد ضمير مستكن لا لفظ له فهو أضعف من ضمير المخاطب أو المتكلم في قمت لأن له لفظا وهو التاء وقمت وزيد أضعف من قمنا وزيد لأن نا من قمنا أتم لفظا من التاء في قمت وأما ﴿شركاءكم﴾ بالنصب فقد قيل فيه أنه منصوب على إضمار فعل كأنه قيل وادعوا شركاءكم قالوا وكذا هو في مصحف أبي وقيل تقديره فاجمعوا أمركم وأجمعوا شركاءكم لأن أجمعوا يدل عليه وذهب المحققون إلى أنه مفعول معه وتقديره مع شركائكم كما أنشد سيبويه:

فكونوا أنتم وبني أبيكم

مكان الكليتين من الطحال

ويقال أجمعت الأمر وجمعت الأمر وأجمعت على الأمر أي عزمت عليه قال المؤرج أجمعت الأمر أفصح من أجمعت عليه قال أبو الهيثم أجمع أمره إذا جعله جمعا بعد ما كان متفرقا قال:

هل أغدون يوما وأمري مجمع

اللغة:

الغمة ضيق الأمر الذي يوجب الحزن والغمة والكربة والضغطة والشدة نظائر ونقيضه الفرجة وقيل غمة مغطى تغطية خبره مأخوذ من غم الهلال إذا حال دون رؤيته غيم.

المعنى:

ثم أمر الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يقرأ عليهم أخبار نوح فقال ﴿واتل عليهم نبأ نوح﴾ أي خبره ﴿إذ قال لقومه﴾ الذين بعث إليهم ﴿يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي﴾ أي شق وعظم عليكم إقامتي بين أظهركم ﴿وتذكيري﴾ أي وعظي وتنبيهي إياكم ﴿بآيات الله﴾ أي بحججه وبيناته على صحة التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وبطلان ما تدينون به وفي الكلام حذف هو قوله وعزمتم على قتلي وطردي من بين أظهركم ﴿فعلى الله توكلت﴾ جعله جواب الشرط مع أنه متوكل عليه في جميع أحواله ليبين لهم أنه متوكل في هذا التفصيل لما في إعلامه ذلك من زجرهم عنه لأن الله تعالى يكفيه أمرهم ومعناه فإلى الله فوضت أمري وبه وثقت إن يكفيني أمركم ﴿فاجمعوا أمركم وشركاءكم﴾ معناه فاعزموا على أمركم مع شركائكم واتفقوا على أمر واحد من قتلي وطردي ولا تضطربوا فيه فتختلف أحوالكم فيما تلقونني به وهذا تهديد في صورة الأمر وقيل معناه اعزموا على أمركم وادعوا شركاءكم فبين (عليه السلام) إنه لا يرتدع عن دعائهم وعيب آلهتهم مستعينا بالله عليهم واثقا بأنه سبحانه يعصمه منهم وقيل أراد بالشركاء الأوثان التي كانوا يعبدونها من دون الله وقيل أراد من شاركهم في دينهم ﴿ثم لا يكن أمركم عليكم غمة﴾ أي لا يكن أمركم عليكم غما وحزنا بأن ترددوا فيه وقيل معناه ليكن أمركم ظاهرا مكشوفا ولا يكونن مغطى مبهما مستورا من غممت الشيء إذا سترته وقيل معناه لا تأتوه من غير أن تتشاوروا ومن غير أن يجتمع رأيكم عليه لأن من حاول أمرا من غير أن يعلم كيف يتأتى ذلك كان أمره غمة عليه ﴿ثم اقضوا إلي ولا تنظرون﴾ أي انهضوا إلي فاقتلوني إن وجدتم إليه سبيلا ولا تؤخروني ولا تمهلوني عن ابن عباس وقيل معنى اقضوا إلي افعلوا ما تريدون وأدخلوا إلي لأنه بمعنى أفرغوا من جميع حيلكم كما يقال خرجت إليك من العهدة وقيل معناه توجهوا إلى وروي عن بعضهم أنه قرأ ثم أفضوا إلى أي أسرعوا إلي من الفضاء لأنه إذا صار إلى الفضاء تمكن من الإسراع وهذا كان من معجزات نوح (عليه السلام) لأنه كان وحيدا مع نفر يسير وقد أخبر بأنهم لا يقدرون على قتله وعلى أن ينزلوا به سواء لأن الله تعالى ناصره وحافظه عنهم ﴿فإن توليتم﴾ أي ذهبتم عن الحق واتباعه ولم تقبلوه ولم تنظروا فيه ﴿فما سألتكم من أجر﴾ أي لا أطلب منكم أجرا على ما أؤديه إليكم من الله فيثقل ذلك عليكم وقيل معناه إن أعرضتم عن قبول قولي لم يضرني لأني لم أطلع فيما لكم فيفوتني ذلك بتوليكم عني وإنما يعود الضرر عليكم ﴿إن أجري إلا على الله﴾ أي ما أجري إلا على الله في القيام بأداء الرسالة ﴿وأمرت أن أكون من المسلمين﴾ أي أمرني الله بأن أكون من المستسلمين لأمر الله بطاعته ثقة بأنها خير ما يكتسبه العباد ﴿فكذبوه﴾ يعني أنهم كذبوا نوحا أي نسبوه إلى الكذب فيما يذكره من أنه نبي الله وإن الله بعثه إليهم ليدعوهم إلى طاعته ﴿فنجيناه ومن معه في الفلك﴾ أي في السفينة ﴿وجعلناهم خلائف﴾ أي جعلنا الذين نجوا مع نوح خلفاء لمن هلك بالغرق وقيل أنهم كانوا ثمانين نفسا وقال البلخي يجوز أن يكون أراد جعلناهم رؤساء في الأرض ﴿وأغرقنا الذين كذبوا ب آياتنا﴾ أي أهلكنا باقي أهل الأرض أجمع لتكذيبهم لنوح (عليه السلام) ﴿فانظر﴾ أيها السامع ﴿كيف كان عاقبة المنذرين﴾ أي المخوفين بالله وعذابه أي كيف أهلكهم الله.