الآيات 62-65

أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿62﴾ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴿63﴾ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿64﴾ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ العليمُ ﴿65﴾

اللغة:

الخوف والفزع والجزع نظائر وهو إزعاج القلب لما يتوقع من المكروه والأمن ضده والحزن غلظ الهم مأخوذ من الحزن وهي الأرض الغليظة والسرور ضده والبشرى الخبر مما يظهر سروره في بشرة الوجه والبشارة مثلها والعزة شدة الغلبة من عزه يعزه إذا غلبه ومنه قولهم إذا عز أخوك فهن يعني إذا غلبك ولم تقاومه فلن له وعز الشيء يعز بفتح العين إذا اشتد ويعز بكسرها إذا صار عزيزا لا يوجد فكأنه اشتد وجوده.

الإعراب:

﴿الذين آمنوا﴾ يحتمل موضعه ثلاثة أوجه من الإعراب (الأول) النصب على أنه صفة أولياء الله (والثاني) الرفع على المدح (والثالث) الرفع على الابتداء وخبره ﴿لهم البشرى﴾ فإن جعلت ﴿الذين آمنوا﴾ صفة لم تقف على يحزنون بل تقف على يتقون وإن جعلته مبتدأ وقفت على يحزنون دون يتقون لأن لهم البشرى خبر عنهم والبشرى يرتفع بالظرف على الأقوال الثلاثة ﴿ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا﴾ كسرت أن للاستئناف بالتذكير لما ينفي الحزن ولا يجوز أن يكون كسرت لأنها وقعت بعد القول لأنه يصير حكاية عنهم وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يحزن لذلك وهذا كفر ويجوز فتحها على تقدير اللام كأنه قال ولا يحزنك قولهم لأن العزة لله جميعا وقد غلظ القتيبي في هذا فزعم أن فتحها يكون كفرا وليس الأمر كما ظنه فإنها إذا كانت معمولة للقول لم يجز وإذا تعلقت بغير القول جاز سواء فتحت أو كسرت ومثل الفتح قول ذي الرمة:

فما هجرتك النفس يا مي أنها

قلتك ولكن قل منك نصيبها

ولكنهم يا أملح الناس أولعوا

بقول إذا ما جئت هذا جنيبها

وقال القتيبي عند ذكر هذه المسألة إذا قلت هذا قاتل أخي بالتنوين دل على أنه لم يقتل وإذا قلت هذا قاتل أخي بحذف التنوين دل على أنه قتل وهذا غلط بإجماع من النحويين لأن التنوين قد تحذف وأنت تريد الحال والاستقبال قال الله تعالى هديا بالغ الكعبة يريد بالغا الكعبة وكل نفس ذائقة الموت أي ستذوق.

المعنى:

﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم﴾ بين سبحانه أن المطيعين لله الذين تولوا القيام بأمره وتولاهم سبحانه بحفظه وحياطته لا خوف عليهم يوم القيامة من العقاب ﴿ولا هم يحزنون﴾ أي لا يخافون واختلف في أولياء الله فقيل هم قوم ذكرهم الله بما هم عليه من سيماء الخير والإخبات عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقيل هم المتحابون في الله ذكر ذلك في خبر مرفوع وقيل هم الذين آمنوا وكانوا يتقون وقد بينهم في الآية التي بعدها عن ابن زيد وقيل أنهم الذين أدوا فرائض الله وأخذوا بسنن رسول الله وتورعوا عن محارم الله وزهدوا في عاجل هذه الدنيا ورغبوا فيما عند الله واكتسبوا الطيب من رزق الله لمعايشهم لا يريدون به التفاخر والتكاثر ثم أنفقوه فيما يلزمهم من حقوق واجبة فأولئك الذين يبارك الله لهم فيما اكتسبوا ويثابون على ما قدموا منه لآخرتهم وهو المروي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) وقيل هم الذين توالت أفعالهم على موافقة الحق ﴿الذين آمنوا﴾ أي صدقوا بالله واعترفوا بوحدانيته ﴿وكانوا يتقون﴾ مع ذلك معاصيه ﴿لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾ فيه أقوال (أحدها) أن البشرى في الحياة الدنيا هي ما بشرهم الله تعالى به في القرآن على الأعمال الصالحة ونظيره قوله ﴿وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم﴾ وقوله ﴿يبشرهم ربهم برحمة منه﴾ الآية عن الزجاج والفراء (وثانيها) أن البشارة في الحياة الدنيا بشارة الملائكة (عليهم السلام) للمؤمنين عند موتهم ب ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة عن قتادة والزهري والضحاك والجبائي (وثالثها) أنها في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو ترى له وفي الآخرة بالجنة وهي ما يبشرهم الملائكة عند خروجهم من القبور وفي القيامة إلى أن يدخلوا الجنة يبشرونهم بها حالا بعد حال وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وروي ذلك في حديث مرفوع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وروى عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال يا عقبة لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلا هذا الدين الذي أنتم عليه وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقر به عينه إلا أن يبلغ نفسه إلى هذه وأومأ بيده إلى الوريد الخبر بطوله ثم قال أن هذا في كتاب الله وقرأ ﴿الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾ الآية وقيل أن المؤمن يفتح له باب إلى الجنة في قبره فيشاهد ما أعد له في الجنة قبل دخولها ﴿لا تبديل لكلمات الله﴾ أي لا خلف لما وعد الله تعالى به من الثواب ولا خلاف في قوله بوضع كلمة أخرى مكانها بدلا منها لأنها حق والحق لا خلف فيه بوجه ﴿ذلك هو الفوز العظيم﴾ أي ذلك الذي سبق ذكره من البشارة في الحياة الدنيا وفي الآخرة هي النجاة العظيمة التي يصغر في جنبها كل شيء ﴿ولا يحزنك قولهم﴾ ظاهره النهي والمراد به التسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن أقوالهم المؤدية وهو مثل قولهم لا رأيتك هاهنا أي لا تكن هاهنا فمن كان هاهنا رأيته وكذلك المراد بالآية لا تعبأ بأذاهم فمن عبا به آذاه أذاهم ﴿إن العزة لله جميعا﴾ فيمنعهم منك بعزته ويدفع أذاهم عنك بقدرته وقيل معناه لا يحزنك قولهم إنك ساحر أو مجنون فسينصرك الله عليهم وسيذلهم وينتقم منهم لك فإنه عزيز قادر عليه ﴿هو السميع العليم﴾ يسمع أقوالهم ويعلم ضمائرهم فيجازيهم عليها ويدفع عنك شرهم ويرد كيدهم وضرهم.

النظم:

وجه اتصال الآية الأولى بما قبلها أنه لما تقدم ذكر المؤمن والكافر بين عقيبه أن أولياءه لا خوف عليهم وقيل لما ذكر أنه يحصي أعمال خلقه بشر من تولاه وذكر ما أعد لهم ووجه اتصال قوله ﴿ولا يحزنك قولهم﴾ بما تقدم أنه يتصل بقوله وإن كذبوك ﴿فلا يحزنك قولهم﴾ وقل لي عملي ولكم عملكم وقيل أنه يتصل بما قبله فكأنه قال إذا كنت من أولياء الله ومن أهل البشارة فلا ينبغي أن تحزن بطعن من يطعن عليك ووجه اتصال قوله ﴿هو السميع العليم﴾ بما قبله أنه يسمع قولهم ويجازيهم فلا يحزنك ذلك.