الآيات 149-160

فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ﴿149﴾ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ ﴿150﴾ أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ﴿151﴾ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿152﴾ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ﴿153﴾ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴿154﴾ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴿155﴾ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ ﴿156﴾ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿157﴾ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴿158﴾ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿159﴾ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿160﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر ونافع برواية إسماعيل وورش من طريق الأصفهاني لكاذبون اصطفى البنات بالوصل والابتداء اصطفى بكسر الهمزة والباقون ﴿أصطفى﴾ بفتح الهمزة وكذلك ورش من طريق البخاري.

الحجة:

قال أبو علي الوجه الهمز على وجه التقريع لهم بذلك والتوبيخ ويقويه قوله تعالى أم اتخذ مما يخلق بنات وقوله أم له البنات ولكم البنون أ لكم الذكر وله الأنثى فكما أن هذه المواضع كلها استفهام كذلك قوله ﴿أصطفى البنات﴾ ووجه القراءة الأخرى أنه على وجه الخبر كأنه اصطفى البنات فيما يقولون كقوله ذق إنك أنت العزيز الكريم أي عند نفسك وفيما كنت تقوله وتذهب إليه ويجوز أن يكون ﴿اصطفى البنات﴾ بدلا من قوله ﴿ولد الله﴾ لأن ولادة البنات واتخاذهن اصطفاؤهن فيصير ﴿اصطفى﴾ بدلا من المثال الماضي كما كان قوله يضاعف له العذاب بدلا من قوله يلق أثاما ويجوز أن يكون ﴿اصطفى البنات﴾ تفسيرا لكذبهم في قوله ﴿وإنهم لكاذبون﴾ كما أن قوله لهم مغفرة تفسير للوعد ويجوز أن يكون متعلقا بالقول على أنه أريد حرف العطف فلم يذكر واستغني بما في الجملة الثانية من الاتصال بالأولى عن حرف العطف كقوله سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ونحو ذلك.

المعنى:

ثم عاد الكلام إلى الرد على مشركي العرب فقال سبحانه ﴿فاستفتهم﴾ أي سلهم واطلب الحكم منهم في هذه القصة ﴿ألربك البنات ولهم البنون﴾ أي كيف أضفتم البنات إلى الله تعالى واخترتم لأنفسكم البنين وكانوا يقولون إن الملائكة بنات الله على وجه الاصطفاء لا على وجه الولادة ﴿أم خلقنا الملائكة إناثا﴾ معناه بل خلقنا الملائكة إناثا ﴿وهم شاهدون﴾ أي حاضرون خلقنا إياهم أي كيف جعلوهم إناثا ولم يشهدوا خلقهم ثم أخبر عن كذبهم فقال ﴿ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله﴾ حين زعموا أن الملائكة بنات الله تعالى ﴿وإنهم لكاذبون﴾ في قولهم ﴿أصطفى البنات على البنين﴾ دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل فسقطت همزة الوصل ومثله قول ذي الرمة:

استحدث الركب من أشياعهم خبرا

أم راجع القلب من أطرابه طرب

والمعنى كيف يختار الله سبحانه الأدون على الأعلى مع كونه مالكا حكيما ثم وبخهم فقال ﴿ما لكم كيف تحكمون﴾ لله بالبنات ولأنفسكم بالبنين ﴿أفلا تذكرون﴾ أي أ فلا تتعظون فتنتهون عن مثل هذا القول ﴿أم لكم سلطان مبين﴾ أي حجة بينة على ما تقولون وتدعون وهذا كله إنكار في صورة الاستفهام ﴿فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين﴾ المعنى فأتوا بكتابكم الذي لكم فيه الحجة ﴿إن كنتم صادقين﴾ في قولكم والمراد أنه دليل لكم على ما تقولونه من جهة العقل لا من جهة السمع ﴿وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا﴾ اختلف في معناه على أقوال (أحدها) أن المراد به قول الزنادقة إن الله وإبليس إخوان وأن الله تعالى خلق النور والخير والحيوان النافع وإبليس خلق الظلمة والشر والحيوان الضار عن الكلبي وعطية (وثانيها) أنه قول المشركين إن الملائكة بنات الله وسمي الملائكة جنة لاستتارهم عن العيون عن مجاهد وقتادة والجبائي (وثالثها) أنهم قالوا صاهر الله الجن فحدثت الملائكة تعالى الله عن قولهم (ورابعها) أنهم أشركوا الشيطان في عبادة الله تعالى فذلك هو النسب الذي جعلوه بينه وبين الجنة عن الحسن ﴿ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون﴾ أي علمت الملائكة أن هؤلاء الذين قالوا هذا القول محضرون للعذاب يوم القيامة عن السدي وقيل معناه قد علمت الجنة وهم الجن الذين دعوهم أنهم محضرون العذاب بدعائهم إلى هذا القول ﴿سبحان الله عما يصفون﴾ نزه سبحانه نفسه عما وصفوه به وأضافوه إليه ﴿إلا عباد الله المخلصين﴾ استثنى عباده المخلصين من جملة الكفار القائلين ما لا يليق به.