الآيات 57-58

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴿57﴾ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴿58﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر وابن عامر ﴿فليفرحوا﴾ بالياء تجمعون بالتاء وقرأ يعقوب برواية رويس فلتفرحوا وتجمعون بالتاء فيهما جميعا وروي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأبي بن كعب والحسن وفي رواية زيد عن يعقوب فلتفرحوا بالتاء ﴿يجمعون﴾ بالياء وروي ذلك عن ابن عباس وقتادة وجماعة والباقون بالياء فيهما جميعا.

الحجة:

قال أبو علي قوله ﴿بفضل الله وبرحمته﴾ الجار فيه يتعلق بمضمر استغني عن ذكره لدلالة ما تقدم عليه وهو قوله ﴿قد جاءتكم موعظة من ربكم﴾ كما أن قوله ﴿آلآن وقد عصيت﴾ قيل يتعلق الظرف فيه بمضمر يدل عليه ما تقدم من الفعل وكذلك قوله ﴿آلآن وقد كنتم به تستعجلون﴾ فأما قوله ﴿فبذلك فليفرحوا﴾ فإن الجار في قوله ﴿فبذلك﴾ يتعلق بفليفرحوا لأن هذا الفعل اتصل بالباء قال وفرحوا بها وقال وفرحت بما قد كان من سيديكما فأما الفاء في قوله ﴿فليفرحوا﴾ فزيادة يدلك على ذلك أن المعنى فافرحوا بذلك ومثل هذه الآية قول الشاعر:

وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

فالفاء في قوله فاجزعي زيادة كما كانت الفاء في قوله ﴿فليفرحوا﴾ زيادة ولا تكون الزيادة الأولى لأن الظرف إنما يتعلق باجزعي فأما من قرأ فلتفرحوا بالتاء فإنه اعتبر الخطاب الذي قبل وهو قوله ﴿قد جاءتكم موعظة﴾ وزعموا أنها في حرف أبي فافرحوا قال أبو الحسن وزعموا أنها لغة وهي قليلة نحو لنضرب وأنت تخاطب فأما من قرأ هو خير مما تجمعون بالتاء فعلى أنه عنى المخاطبين والغيب جميعا إلا أنك غلبت المخاطبة على الغيبة ومن قرأ بالياء كان المعنى فافرحوا بذلك أيها المؤمنون أي أفرحوا بفضل الله ورحمته فإن ما أتاكموه من الموعظة شفاء لما في الصدور ثلج اليقين النفس بالإيمان وسكون النفس إليه خير مما يجمعه غيركم من أعراض الدنيا ممن فقد هذه الحال التي حزتموها.

المعنى:

لما تقدم ذكر القرآن وما فيه من الوعد والوعيد عقبه سبحانه بذكر جلالة موقع القرآن وعظم محله في باب الأدلة فقال ﴿يا أيها الناس﴾ خطاب لجميع الخلق وتنبيه لهم ويقال أنه خطاب لقريش ﴿قد جاءتكم موعظة من ربكم﴾ يعني القرآن والموعظة بيان ما تجب أن يحذر عنه ويرغب فيه وقيل هي ما يدعو إلى الصلاح ويزجر عن الفساد ﴿وشفاء لما في الصدور﴾ الشفاء معنى كالدواء لإزالة الداء فداء الجهل أضر من داء البدن وعلاجه أعسر وأطباؤه أقل والشفاء منه أجل والصدر موضع القلب وهو أجل موضع في البدن لشرف القلب ﴿وهدى﴾ أي ودلالة تؤدي إلى معرفة الحق ﴿ورحمة للمؤمنين﴾ أي ونعمة لمن تمسك به وعمل بما فيه وخص المؤمنين بالذكر وإن كان القرآن موعظة ورحمة لجميع الخلق لأنهم الذين انتفعوا به وصف الله سبحانه القرآن في هذه الآية بأربع صفات بالموعظة والشفاء لما في الصدور وبالهدى والرحمة ﴿قل بفضل الله وبرحمته﴾ معناه قل يا محمد بإفضال الله وبنعمته فإنه يجوز إطلاق الفاضل على الله تعالى فوضع الفضل في موضع الإفضال كما وضع النبات في قوله ﴿والله أنبتكم من الأرض نباتا﴾ في موضع الإنبات وقيل أن الفضل إلى الله بمعنى الملك كما يضاف العبد إليه بأنه مالك له ﴿فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون﴾ قال الزجاج قوله ﴿بذلك﴾ بدل من قوله بفضل الله وبرحمته وهو يدل على أنه يعني به القرآن أي فبذلك فليفرح الناس لأنه خير لكم يا أصحاب محمد مما يجمعه هؤلاء الكفار من الأموال ومعنى الآية قل لهؤلاء الفرحين بالدنيا المعتدين بها الجامعين لها إذا فرحتم بشيء فافرحوا بفضل الله عليكم ورحمته لكم بإنزال هذا القرآن وإرسال محمد إليكم فإنكم تحصلون بهما نعيما دائما مقيما هو خير لكم من هذه الدنيا الفانية وقيل فضل الله هو القرآن ورحمته الإسلام عن أبي سعيد الخدري والحسن وروى أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال من هداه الله للإسلام وعلمه القرآن ثم شكا الفاقة كتب الله عز وجل الفقر بين عينيه إلى يوم القيامة ثم تلا ﴿قل بفضل الله وبرحمته﴾ الآية وقيل فضل الله الإسلام ورحمته القرآن عن قتادة ومجاهد وغيرهما قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) فضل الله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ورحمته علي بن أبي طالب (عليه السلام) ورواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.