الآيات 51-60

قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴿51﴾ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ ﴿52﴾ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿53﴾ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ ﴿54﴾ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ ﴿55﴾ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ ﴿56﴾ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴿57﴾ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ﴿58﴾ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴿59﴾ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿60﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة ابن عباس وابن محيصن هل أنتم مطلعون بالتخفيف فأطلع.

الحجة:

الإطلاع الإقبال فعلى هذا يكون معناه فهل أنتم مقبلون فأقبل واطلع يكون مسندا إلى مصدره أي فأطلع الإطلاع كما يقال قد قيم أي قد قيم القيام.

الإعراب:

﴿إلا موتتنا الأولى﴾ نصب بقوله ﴿ميتين﴾ انتصاب المصدر بالفعل الواقع قبل كما تقول ما ضربت إلا ضربة واحدة والتقدير فما نموت إلا موتتنا الأولى.

المعنى:

هذا تمام الحكاية عن أحوال أهل الجنة وإقبال بعضهم على بعض في المسائلة عن الأخبار والأحوال ﴿قال قائل منهم﴾ أي من أهل الجنة ﴿إني كان لي قرين﴾ في دار الدنيا أي صاحب يختص بي إما من الإنس على قول ابن عباس أو من الشيطان على قول مجاهد ﴿يقول﴾ لي على وجه الإنكار علي والتهجين لفعلي ﴿أإنك لمن المصدقين﴾ بيوم الدين وبالبعث والنشور والحساب والجزاء والاستفهام هنا على وجه الإنكار ﴿أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أ إنا لمدينون﴾ أي مجزيون محاسبون من قولهم كما تدين تدان والمعنى أن ذلك القرين كان يقول لي في الدنيا على طريق الاستبعاد والاستنكار أ نبعث بعد أن صرنا ترابا وعظاما بالية ونجازي على أعمالنا أي أن هذا لا يكون أبدا وهذا أبلغ في النفي من أن يقول لا نبعث ولا نجازي ﴿قال هل أنتم مطلعون﴾ أي ثم قال هذا المؤمن لإخوانه في الجنة هل أنتم مطلعون على موضع من الجنة يرى منه هذا القرين يقال طلع على كذا إذا أشرف عليه والمعنى هل تؤثرون أن تروا مكان هذا القرين في النار وفي الكلام حذف أي فيقولون له نعم أطلع أنت فأنت أعرف بصاحبك قال الكلبي وذلك لأن الله تعالى جعل لأهل الجنة كوة ينظرون منها إلى أهل النار ﴿فاطلع فرآه﴾ أي فاطلع هذا المؤمن فرأى قرينة ﴿في سواء الجحيم﴾ أي في وسط النار ﴿قال﴾ أي فقال له المؤمن ﴿تالله إن كدت لتردين﴾ هذه إن المخففة من الثقيلة بدلالة مصاحبة لام الابتداء لها في قوله ﴿لتردين﴾ أقسم بالله سبحانه على وجه التعجب إنك كدت تهلكني بما قلته لي ودعوتني إليه حتى يكون هلاكي كهلاك المتردي من شاهق ومنه قوله وما يغني عنه ماله إذا تردى أي تردى في النار ﴿ولو لا نعمة ربي﴾ علي بالعصمة واللطف والهداية حتى آمنت ﴿لكنت من المحضرين﴾ معك في النار ولا يستعمل أحضر مطلقا إلا في الشر قال قتادة فو الله لو لا أن الله عرفه إياه لما كان يعرفه لقد تغير حبره وسبره أي حسنه وسحناؤه ﴿أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين﴾ معناه أن هذا المؤمن يقول لهذا القرين على وجه التوبيخ والتقريع أ ليس كنت في الدنيا تقول أنا لا نموت إلا الموتة التي تكون في الدنيا ولا نعذب فقد ظهر الأمر بخلاف ذلك وقيل أن هذا من قول أهل الجنة بعضهم لبعض على وجه إظهار السرور بدوام نعيم الجنة ولهذا عقبه بقوله ﴿إن هذا لهو الفوز العظيم﴾ معناه فما نحن بميتين في هذه الجنة إلا موتتنا التي كانت في الدنيا وما نحن بمعذبين كما وعدنا الله تعالى ويريدون به التحقيق لا الشك وإنما قالوا هذا القول لأن لهم في ذلك سرورا مجددا وفرحا مضاعفا وإن كانوا قد عرفوا أنهم سيخلدون في الجنة وهذا كما أن الرجل يعطي المال الكثير فيقول مستعجبا كل هذا المال لي وهو يعلم أن ذلك له وهذا كقوله:

أبطحاء مكة هذا الذي

أراه عيانا وهذا أنا