الآيات 41-50
أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ ﴿41﴾ فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ ﴿42﴾ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿43﴾ عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴿44﴾ يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ ﴿45﴾ بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴿46﴾ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴿47﴾ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ﴿48﴾ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ ﴿49﴾ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ ﴿50﴾
القراءة:
قرأ أهل الكوفة غير عاصم ينزفون بكسر الزاي والباقون بفتح الزاء وكذلك في سورة الواقعة إلا عاصم فإنه قرأ هاهنا بفتح الزاي وهناك بكسر الزاي.
الحجة:
قال أبو علي أنزف يكون على معنيين (أحدهما) بمعنى سكر قال:
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم
لبئس الندامى كنتم آل أبجرا
فمقابلته صحوتم يدل على أنه أراد سكرتم (والآخر) بمعنى أنفد شرابه فمعنى أنزف صار ذا إنفاد لشرابه كما أن الأول معناه النفاد من عقله فمن قرأ ينزفون يجوز أن يريد به لا يسكرون عن شربها ويجوز أن يريد به لا ينفد ذلك عندهم كما ينفد شراب أهل الدنيا ومن قرأ ﴿ينزفون﴾ بفتح الزاي فإنه من نزف الرجل فهو منزوف ونزيف إذا ذهب عقله بالسكر.
اللغة:
قال الأخفش كل كأس في القرآن فالمراد به الخمر.
معين يحتمل أن يكون فعيلا من أمعن في الأمر إذا اشتد دخوله فيه وهو الماء الشديد الجري ويحتمل أن يكون مفعولا من عين الماء لأنه يجري ظاهرا للعين.
واللذة اللذيذة يقال شراب لذ ولذيذ والغول فساد يلحق الشيء خفيا يقال اغتاله اغتيالا وغاله غولا ومنه الغيلة وهي القتل سرا قال الشاعر:
وما زالت الكأس تغتالنا
وتذهب بالأول الأول
والقاصرات جمع قاصرة وهن اللاتي يقصرن طرفهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم والقصر معناه الحبس والعين النجل العيون الحسانها والمكنون المصون من كل شيء قال الشاعر:
وهي زهراء مثل لؤلؤة الغواص
ميزت من جوهر مكنون
المعنى:
ثم بين سبحانه ما أعده لعباده المخلصين من أنواع النعم فقال ﴿أولئك لهم رزق معلوم﴾ جعل لهم التصرف فيه وحكم لهم به في الأوقات المستأنفة في كل وقت شيئا معلوما مقدرا ثم فسر ذلك الرزق بأن قال ﴿فواكه﴾ وهي جمع فاكهة يقع على الرطب واليابس من الثمار كلها يتفكهون بها ويتنعمون بالتصرف فيها ﴿وهم مكرمون﴾ مع ذلك أي معظمون مبجلون وضد الإكرام الإهانة ﴿في جنات النعيم﴾ أي وهم مع ذلك في بساتين فيها أنواع النعيم يتنعمون بها ﴿على سرر﴾ وهي جمع سرير ﴿متقابلين﴾ يستمتع بعضهم بالنظر إلى وجوه بعض ولا يرى بعضهم قفا بعض ﴿يطاف عليهم بكأس﴾ وهو الإناء بما فيه من الشراب ﴿من معين﴾ أي من خمر جارية في أنهار ظاهرة العيون عن الحسن وقتادة والضحاك والسدي وقيل شديد الجري ثم وصف الخمر فقال ﴿بيضاء﴾ وصفها بالبياض لأنها في نهاية الرقة مع الصفاء واللطافة النورية التي لها قال الحسن خمر الجنة أشد بياضا من اللبن وذكر أن قراءة ابن مسعود صفراء فيحتمل أن يكون بيضاء الكأس صفراء اللون ﴿لذة﴾ أي لذيذة ﴿للشاربين﴾ ليس فيها ما يعتري خمر الدنيا من المرارة والكراهة ﴿لا فيها غول﴾ أي لا تغتال عقولهم فتذهب بها ولا تصيبهم منها وجع في البطن ولا في الرأس ويقال للوجع غول لأنه يؤدي إلى الهلاك ﴿ولا هم عنها ينزفون﴾ أي يسكرون ولا ينزفون لا يفنى خمرهم وتحمل هذه القراءة على هذا لزيادة الفائدة وعلى القراءة الأولى فيحمل الغول على الصداع والوجع وأذى الخمار قال ابن عباس معناه ولا يبولون قال وفي الخمر أربع خصال السكر والصداع والقيء والبول فنزه الله سبحانه خمر الجنة عن هذه الخصال ﴿وعندهم قاصرات الطرف﴾ قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يردن غيرهن لحبهن إياهم وقيل معناه لا يفتحن أعينهن دلالة وغنجا ﴿عين﴾ أي واسعات العيون والواحدة عيناء وقيل هي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها عن الحسن ﴿كأنهن بيض مكنون﴾ شبههن ببيض النعام مكنة بالريش من الغبار والريح عن الحسن وابن زيد وفي معناه قول امرىء القيس:
كبكر المقاناة البياض بصفرة
غذاها نمير الماء غير محلل
وقيل شبههن ببطن البيض قبل أن يقشر وقبل أن تمسه الأيدي والمكنون المصون ثم قال ﴿فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون﴾ يعني أهل الجنة يسأل بعضهم بعضا عن أحوالهم من حين بعثوا إلى أن أدخلوا الجنة فيخبر كل صاحبه بأنعام الله تعالى عليه.