الآيات 41-44

وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴿41﴾ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴿42﴾ وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴿43﴾ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿44﴾

المعنى:

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال ﴿وإن كذبوك﴾ يا محمد ولم يصدقوك وردوا عليك قولك ﴿فقل﴾ لهم ﴿لي عملي﴾ فإن كنت كاذبا فوباله علي ﴿ولكم عملكم﴾ أي ولكم جزاء عملكم ﴿أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون﴾ نظيره قوله قل يا أيها الكافرون إلى آخر السورة وهذا وعيد لهم من الله تعالى كقوله اعملوا على مكانتكم ونحوه وقيل إن هذه الآية منسوخة ب آية القتال وقيل أنه لا تنافي بين هذه الآية وآية القتال لأنها براءة ووعيد وذلك لا ينافي الجهاد ﴿ومنهم من يستمعون إليك﴾ معناه ومن جملة هؤلاء الكفار من يستمع إليك يا محمد والاستماع طلب السمع فهم كانوا يطلبون السمع للرد لا للفهم فلذلك لزمهم الذم فإنهم إذا سمعوه على هذا الوجه كأنهم صم لم يستمعوه حيث لم ينتفعوا به ﴿أفأنت تسمع الصم﴾ هذا خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأنه لم يقدر على إسماع الصم ﴿ولو كانوا لا يعقلون﴾ قال الزجاج معناه ولو كانوا جهالا وهذا مثل قول الشاعر:

أصم عما ساءه سميع

﴿ومنهم من ينظر إليك﴾ أي ومن جملتهم من ينظر إليك يا محمد فلم يخبر بلفظ الجمع هنا لأنه حمله على اللفظ وقال ﴿من يستمعون﴾ فأخبر بلفظ الجمع حملا على المعنى أي ينظر إلى أفعالك وأقوالك لا نظر الحقيقة والعبرة بل نظر العادة فلا ينتفع بنظره ﴿أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون﴾ أي فكما أنك لا تقدر أن تبصر العمي فتنفعهم به كذلك لا تقدر أن تنفع بما تأتي به من الأدلة من ينظر إليها ولا يطلب الانتفاع بها وقوله ﴿أفأنت﴾ استفهام المراد به النفي وقيل إن معنى الآيتين ومنهم من يستمع إلى كلامك استماع الطعن والتعنت وينظر إلى أدلتك نظر الطاعن القادح فيها المكذب بها الراد عليها فلا تقدر أن تنفعهم بمثل هذا الاستماع والنظر ﴿إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون﴾ قد تمدح سبحانه في هذه الآية بأنه لا يظلم أحدا من الناس شيئا بأن ينقص من حسناتهم وجزاء طاعاته ولكنهم ينقصون أنفسهم ويظلمونها بارتكاب ما نهى الله عنه من القبائح والمعنى هنا أن الله تعالى لا يمنع أحدا الانتفاع بما كلفهم الانتفاع به من القرآن والأدلة ولكنهم يظلمون أنفسهم بترك النظر فيه والاستدلال به وتقويتهم أنفسهم الثواب عليها وإدخالهم عليها العقاب ففي الآية دلالة على أنه سبحانه لا يفعل الظلم فبطل قول المجبرة في إضافة كل ظلم إلى خلقه وإرادته.

النظم:

قيل في اتصال الآية الأولى بما قبلها أنه سبحانه لما بين دلائل التوحيد والنبوات فعاندوا وكذبوا أمر فيما بعد بقطع العصمة عنهم والوعيد لهم وأما الآية الأخيرة وهي قوله ﴿إن الله لا يظلم الناس شيئا﴾ فالوجه في اتصالها بما قبلها أنها تتصل بقوله ﴿فانظر كيف كانت عاقبة الظالمين﴾ يعني أنهم استحقوا ذلك الهلاك والعذاب بأفعالهم وما ظلمناهم وقيل إنها اتصلت بقوله ﴿ومنهم من يستمعون إليك﴾ ﴿ومنهم من ينظر إليك﴾ فكأنه قال إن الله لا يمنعهم الانتفاع بما كلفهم بل مكنهم وبين لهم وهداهم وأزاح علتهم ولكن ظلموا هم أنفسهم بترك الانتفاع به عن الجبائي وأبي مسلم وقيل أنه لما تقدم ذكر الوعد والوعيد بين سبحانه أنه لا يظلمهم أي لا ينقص من حسناتهم ولا يزيد في سيئاتهم.