الآيات 11-20
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ ﴿11﴾ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ﴿12﴾ وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ ﴿13﴾ وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ﴿14﴾ وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿15﴾ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴿16﴾ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ﴿17﴾ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ ﴿18﴾ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ﴿19﴾ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ﴿20﴾
القراءة:
قرأ أهل الكوفة غير عاصم بل عجبت بضم التاء والباقون بفتحها وقرأ ابن عامر وأهل المدينة غير ورش أو آباؤنا ساكنة الواو والباقون بفتحهما وكذلك في الواقعة.
الحجة:
قال أبو علي من قرأ بل عجبت بالفتح فالمعنى بل عجبت من إنكارهم البعث وهم يسخرون أ وعجبت من نزول الوحي عليك وهم يسخرون والضم فيما زعموا قراءة علي (عليه السلام) وابن عباس وروي عن شريح من إنكار له فإنه قال أن الله لا يعجب وقد احتج بعضهم للضم بقوله وإن تعجب فعجب قولهم وليس في هذا دلالة على أن الله سبحانه أضاف العجب إلى نفسه ولكن المعنى وإن تعجب فعجب قولهم عندكم والمعنى في الضم أن إنكار البعث والنشر مع ثبات القدرة على الابتداء والإنشاء عجيب ويبين ذلك عند من استدل عندكم مما تقولون فيه هذا النحو من الكلام إذا ورد عليكم مثله كما أن قوله أسمع بهم وأبصر معناه أن هؤلاء ممن تقولون أنتم فيه هذا النحو وكذلك قوله فما أصبرهم على النار عند من لم يجعل اللفظ على الاستفهام وعلى هذا النحو قوله ويل للمطففين وويل يومئذ للمكذبين وقوله لعله يتذكر أو يخشى ولا يجوز أن يكون العجب في وصف القديم سبحانه كما يكون في وصف الإنسان لأن العجب فينا إنما يكون إذا شاهدنا ما لم نشاهد مثله ولم نعرف سببه وهذا منتف عن القديم سبحانه.
اللغة:
اللازب واللازم بمعنى أبدلت من الميم الياء قال النابغة:
ولا يحسبون الخير لا شر عنده
ولا يحسبون الشر ضربة لازب
وبعض بني عقيل يقولون لاتب أيضا بالتاء والداخر الصاغر أشد الصغر.
المعنى:
ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿فاستفتهم﴾ أي فاسألهم يا محمد سؤال تقرير ﴿أهم أشد خلقا﴾ أي أحكم صنعا ﴿أم من خلقنا﴾ قبلهم من الأمم الماضية والقرون السالفة يريد أنهم ليسوا بأحكم خلقا من غيرهم من الأمم وقد أهلكناهم بالعذاب وقيل أ هم أشد خلقا أم من خلقنا من الملائكة والسماوات والأرض وغلب ما يعقل على ما لا يعقل ﴿إنا خلقناهم من طين لازب﴾ معناه أنهم إن قالوا نحن أشد فأعلمهم أن الله خلقهم من طين فكيف صاروا أشد قوة منهم والمراد أن آدم خلقه الله من طين وأن هؤلاء نسله وذريته فكأنهم منه وقال ابن عباس اللازب الملتصق من الطين الحر الجيد ﴿بل عجبت﴾ يا محمد من تكذيبهم إياك ﴿ويسخرون﴾ من تعجبك ومن ضم التاء فالمراد أنه سبحانه أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يخبر عن نفسه بأنه عجب من هذا القرآن حين أعطيه وسخر منه أهل الضلال وتقديره قل بل عجبت عن المبرد وقيل يسخرون أي يهزءون بدعائك إياهم إلى الله والنظر في دلائله وآياته وروي عن الأعمش عن أبي وائل قال قرأ عبد الله بن مسعود بل عجبت بالضم فقال شريح إن الله لا يعجب إنما يعجب من لا يعلم قال الأعمش فذكرته لإبراهيم فقال أن شريحا كان معجبا برأيه إن عبد الله قرأ بل عجبت وعبد الله أعلم من شريح وإضافة العجب إلى الله تعالى ورد الخبر به كقوله عجب ربكم من شباب ليس له صبوة وعجب ربكم من الكم وقنوطكم ويكون ذلك على وجهين عجب مما يرضى ومعناه الاستحسان والخبر عن تمام الرضى وعجب مما يكره ومعناه الإنكار له والذم ﴿وإذا ذكروا لا يذكرون﴾ أي وإذا خوفوا بالله ووعظوا بالقرآن لا ينتفعون بذلك ولا يتعظون به ﴿وإذا رأوا آية﴾ من آيات الله ومعجزة مثل انشقاق القمر وغيرها ﴿يستخسرون﴾ أي يستهزءؤن ويقولون هذا عمل السحر وسخر واستسخر بمعنى واحد وقيل معناه يستدعي بعضهم بعضا إلى إظهار السخرية وقيل معناه يعتقدونه سخرية كما تقول استقبحه أي اعتقده قبيحا واستحسنه أي اعتقده حسنا ﴿وقالوا إن هذا إلا سحر مبين﴾ أي وقالوا لتلك الآية ما هذا إلا سحر ظاهر وتمويه ﴿أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون﴾ بعد ذلك ومحشورون أي كيف نبعث بعد ما صرنا ترابا ﴿أوآباؤنا الأولون﴾ الذين تقدمونا بهذه الصفة أي أو يبعث آباؤنا بعد ما صاروا ترابا يعنون أن هذا لا يكون ومن فتح الواو وجعلها واو العطف دخل عليها همزة الاستفهام كقوله ﴿أو أمن أهل القرى﴾ ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿قل﴾ لهم ﴿نعم﴾ تبعثون ﴿وأنتم داخرون﴾ صاغرون أشد الصغار ثم ذكر أن بعثهم يقع بزجرة واحدة فقال ﴿فإنما هي﴾ أي فإنما قصة البعث ﴿زجرة واحدة﴾ أي صيحة واحدة من إسرافيل يعني نفخة البعث والزجرة الصرفة عن الشيء بالمخافة فكأنهم زجروا عن الحال التي هم فيها إلى الحشر ﴿فإذا هم ينظرون﴾ إلى البعث الذي كذبوا به وقيل معناه فإذا هم أحياء ينتظرون ما ينزل بهم من عذاب الله ﴿وقالوا﴾ أي ويقولون معترفين على نفوسهم بالعصيان ﴿يا ويلنا﴾ من العذاب وهو كلمة يقولها القائل عند الوقوع في الهلكة ومثله يا حسرتنا ينادون مثل هذه الأشياء على وجه التنبيه على عظم الحال ﴿هذا يوم الدين﴾ أي يوم الحساب عن ابن عباس وقيل يوم الجزاء عن قتادة والمراد أنهم اعترفوا بالحق خاضعين نادمين.