الآيات 34-36

قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَََلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴿34﴾ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴿35﴾ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿36﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير عاصم ﴿أمن لا يهدي﴾ ساكنة الهاء خفيفة الدال وقرأ أهل المدينة غير ورش يهدي ساكنة الهاء مشددة الدال وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وروح وزيد عن يعقوب يهدي بفتح الياء والهاء وتشديد الدال إلا أن أبا عمرو أشار إلى فتحة الهاء من غير إشباع وقرأ عاصم غير حماد ويحيي ورويس عن يعقوب ﴿يهدي﴾ بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال وقرأ حماد ويحيي عن أبي بكر عن عاصم يهدي بكسر الياء والهاء والتشديد.

الحجة:

قوله ﴿يهدي﴾ ويهدي ويهدي ويهدي أصل جميعها يهتدي يفتعل وإن اختلفت ألفاظها أدغموا التاء في الدال لمقاربتها لها فإنهما من حيز واحد ثم اختلفوا في تحريك الهاء فمن قرأ يهدي ألقى حركة الحرف المدغم وهو التاء على الهاء ومن قرأ ﴿يهدي﴾ بكسر الهاء فإنه حرك الهاء بالكسر لالتقاء الساكنين ومن سكن الهاء جمع بين الساكنين ومن أشم الهاء ولم يسكن فالإشمام في حكم التحريك ومن كسر الياء مع الهاء أتبع الياء ما بعدها من الكسرة وهو ردي لثقل الكسر في الياء.

الإعراب:

قوله ﴿فما لكم كيف تحكمون﴾ ما مبتدأ ولكم خبره وكيف منصوب بقوله ﴿تحكمون﴾ ﴿لا يغني من الحق شيئا﴾ يجوز أن يكون قوله ﴿شيئا﴾ مفعول يغني ويجوز أن يكون في موضع مصدر أي لا يغني من الحق غناء وكذا قيل في قوله ﴿لا تجزي نفس عن نفس شيئا﴾ قالوا هو مفعول تجزي وقالوا هو مصدر أي جزاء وكذلك قوله ﴿ولا تشركوا به شيئا﴾ قالوا هو مفعول تشركوا وقالوا هو مصدر أي لا تشركوا به إشراكا وكذلك قوله ﴿يعبدونني لا يشركون بي شيئا﴾.

المعنى:

ثم احتج سبحانه عليهم في التوحيد باحتجاج آخر فقال ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين ﴿هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده﴾ أي هل من هذه الأصنام التي جعلتموها شركاء لله في العبادة وقيل الذين جعلتموهم شركاء في أموالكم كما قال وهذا لشركائنا من يبدأ الخلق بالإنشاء بعد أن لم يكن وهو النشأة الأولى ثم يعيده في النشأة الثانية ﴿قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده﴾ معناه فإن قالوا ليس من شركائنا من يقدر عليه أو سكتوا فقل أنت لهم الله هو الذي يبدأ الخلق بأن ينشئه على غير مثال ثم يفنيه ثم يعيده يوم القيامة ﴿فأنى تؤفكون﴾ أي كيف تصرفون عن الحق وتقلبون عن الإيمان ثم استأنف الحجاج فقال سبحانه ﴿قل﴾ يا محمد ﴿هل من شركائكم من يهدي إلى الحق﴾ أي هل من هذه الأصنام من يهدي الناس إلى الرشد وما فيه الصلاح والنجاة والخير بدلالة ينصبها وحجة يظهرها فلا بد من أن يجيبوا بلا ف ﴿قل﴾ أنت لهم ﴿الله﴾ هو الذي ﴿يهدي للحق﴾ إلى طريق الرشاد يقال هديت إلى الحق وهديت للحق بمعنى واحد ﴿أفمن يهدي إلى الحق﴾ معناه أفمن يهدي غيره إلى طريق التوحيد والرشد ﴿أحق أن يتبع﴾ أمره ونهيه ﴿أمن لا يهدي﴾ أحدا ﴿إلا أن يهدى﴾ أو لا يهتدي هو إلا أن يهدى والأصنام لا تهتدي ولا تهدي أحدا وإن هديت لأنها موات من حجارة ونحوها ولكن الكلام نزل على أنها إن هديت اهتدت لأنهم لما اتخذوها آلهة عبر عنها كما يعبر عمن يعقل ووصفت بصفة من يعقل وإن لم يكن في الحقيقة كذلك ألا ترى إلى قوله سبحانه ﴿ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون﴾ وقوله ﴿إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم﴾ وإنما هن موات أ لا ترى أنه قال ﴿فادعوهم فليستجيبوا لكم﴾ ﴿ألهم أرجل يمشون بها﴾ الآية وكذلك قوله ﴿إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم﴾ فأجري عليه اللفظ كما يجري على من يعلم وعلى هذا فقوله ﴿إلا أن يهدى﴾ إلا بمنزلة حتى فكأنه قال أمن لا يهتدي حتى يهدى أم من لا يعلم حتى يعلم ومن لا يستدل على شيء حتى يدل عليه وإن كان لو دل أو علم لم يستدل ولم يعلم ولو هدي لم يهتد بين الله سبحانه بذلك جهلهم وقلة تمييزهم في تسويتهم من لا يعلم ولا يقدر بالله القادر والعالم وقال البلخي لا يهدي ولا يهتدي بمعنى واحد يقال هديته فهدى أي اهتدى وقيل إن المراد بذلك الملائكة والجن لأنهم يهتدون إذا هدوا وقيل المراد به الرؤساء والمضلون الذين يدعون إلى الكفر وقيل إن المعنى في قوله ﴿لا يهدي إلا أن يهدى﴾ لا يتحرك إلا أن يحرك ولا ينتقل إلا أن ينقل كقول الشاعر:

حيث تهدي ساقه قدمه

أي يحمل وقيل معناه إلا أن يركب الله فيه آلة التمييز والهداية ويرزقه فهما وعقلا فإن هدي حينئذ اهتدى ﴿فما لكم﴾ قال الزجاج هذا كلام تام كأنه قال أي شيء لكم في عبادة من لا يضر ولا ينفع ﴿كيف تحكمون﴾ هذا تعجيب من حالهم أي كيف تقضون بأن هذه الأصنام آلهة وأنها تستحق العبادة وقيل كيف تحكمون لأنفسكم بما لا توجبه الحجة ولا تشهد بصحته الأدلة ﴿وما يتبع أكثرهم إلا ظنا﴾ أي ليس يتبع أكثر هؤلاء الكفار إلا ظنا الظن الذي لا يجدي شيئا من تقليد آبائهم ورؤسائهم ﴿إن الظن لا يغني من الحق شيئا﴾ لأن الحق إنما ينتفع به من علمه حقا وعرفه معرفة صحيحة والظن يكون فيه تجويز أن يكون المظنون على خلاف ما ظن فلا يكون مثل العلم ﴿إن الله عليم بما يفعلون﴾ من عبادة غير الله تعالى فيجازيهم عليه وفيه ضرب من التهديد.