الآيات 26-27

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿26﴾ وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿27﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب وسهل قطعا ساكنة الطاء والباقون ﴿قطعا﴾ بفتحها.

الحجة:

القطع جمع قطعة من الليل والقطع الجزء من الليل الذي فيه ظلمة.

اللغة:

الرهق لحاق الأمر ومنه راهق الغلام إذا لحق بالرجال ورهقه في الحرب أدركه قال الأزهري الرهق اسم من الإرهاق وهو أن يحمل الإنسان على ما لا يطيقه ومنه سأرهقه صعودا والكسب اجتلاب النفع والجزاء المكافاة والقتر الغبار والقترة الغبرة والقتار الدخان ومنه الإقتار في المعيشة.

الإعراب:

﴿جزاء سيئة﴾ في ارتفاعه وجهان (أحدهما) أن يكون مبتدأ وخبره بمثلها على زيادة الباء في قول أبي الحسن لأنه وجد في مكان آخر وجزاء سيئة سيئة مثلها ويجوز أن يكون الباء متعلقة بخبر محذوف تقديره جزاء سيئة كائن بمثلها كما تقول إنما أنا بك وأمري بيدك وما أشبه ذلك (والآخر) أن يكون فاعلا بإضمار فعل تقديره استقر لهم جزاء سيئة بمثلها ثم حذف استقر فبقي لهم جزاء سيئة بمثلها ثم حذف لهم لدلالة الكلام على أن هذا مستقر لهم ويجوز أن يكون ﴿جزاء سيئة﴾ مبتدأ والخبر محذوف تقديره لهم جزاء سيئة بمثلها أو جزاء سيئة بمثلها كائن هذا قد أجازه أبو الفتح وقوله ﴿وترهقهم﴾ عطف على كسبوا وجاز أن يفصل بينهما بقوله ﴿جزاء سيئة بمثلها﴾ لأنه من الاعتراض الذي يبين الأول ويسدده ويثبته مظلما قال أبو علي إن أجريته على قطع ساكنة الطاء فيحتمل نصبه على وجهين (أحدهما) أن يكون صفة لقطع على قياس قوله ﴿وهذا كتاب أنزلناه مبارك﴾ وصفت الكتاب بالمفرد بعد ما وصفته بالجملة وأجريته على النكرة (والآخر) أن يكون حالا من الذكر الذي في الظرف يعني قوله ﴿من الليل﴾ وإن أجريته على قطع مفتوحة الطاء لم يكن صفة له ولا حالا من الذكر الذي في قوله ﴿من الليل﴾ ولكن يكون حالا من الليل والعامل في الحال ما يتعلق به من الليل وهو الفعل المختزل ومثل ذلك في إرادة الوصف بالسواد قول الشاعر:

ودوية مثل السماء اعتسفتها

وقد صبغ الليل الحصى بسواد أي سودتها الظلمة وقال غيره يجوز أن يكون مظلما صفة لقطع على قول الشاعر:

لو أن مدحة حتى تنشرن أحدا

أحيا أباكن يا ليلى الأماديح

المعنى:

ثم بين سبحانه أهل دار السلام فقال ﴿للذين أحسنوا الحسنى﴾ ومعناه للذين أحسنوا العمل وأطاعوا الله تعالى في الدنيا جزاء لهم على ذلك الحالة الحسنى والمنزلة الحسنى وهي الحالة الجامعة للذات والنعيم على أكمل ما يكون وأفضل ما يمكن وهو تأنيث الأحسن ﴿وزيادة﴾ ذكر في ذلك وجوه (أحدها) أن الحسنى الثواب المستحق والزيادة التفضل على قدر المستحق على طاعاتهم من الثواب وهي المضاعفة المذكورة في قوله ﴿فله عشر أمثالها﴾ عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة (وثانيها) الزيادة هي إن ما أعطاهم الله تعالى من النعم في الدنيا لا يحاسبهم به في الآخرة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) (وثالثها) أن الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب عن علي (عليه السلام) وقيل الزيادة ما يأتيهم في كل وقت من فضل الله مجددا (ورابعها) أن الزيادة هي النظر إلى وجه الله تعالى وروي ذلك عن أبي بكر وأبي موسى الأشعري وغيرهما وقد بين الله سبحانه الزيادة في موضع آخر بقوله ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ﴿ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة﴾ أي لا يلحق وجوههم سواد عن ابن عباس وقتادة وقيل غبار ولا ذلة أي هوان وقيل ك آبة وكسوف عن قتادة وروى الفضيل بن يسار عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما من عين ترقرقت بمائها إلا حرم الله ذلك الجسد على النار فإن فاضت من خشية الله لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة ﴿أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون﴾ مر معناه ﴿والذين كسبوا السيئات﴾ أي اكتسبوها وارتكبوها ﴿جزاء سيئة بمثلها﴾ أي لهم جزاء كل سيئة بمثلها يعني يجزون بمثل أعمالهم أي قدر ما يستحق عليها من غير زيادة لأن الزيادة على قدر المستحق من العقاب ظلم وليس كذلك الزيادة على قدر المستحق من الثواب لأن ذلك تفضل يحسن فعله ابتداء فالمثل هنا مقدار المستحق من غير زيادة ولا نقصان ﴿وترهقهم ذلة﴾ أي يلحقهم هوان وذل لأن العقاب يقارنه الإهانة والإذلال ﴿ما لهم من الله من عاصم﴾ أي ما لهم من حافظ ومانع يدفع عقاب الله عنهم ﴿كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما﴾ أي كأنما ألبست وجوههم ظلمة الليل والمراد وصف وجوههم بالسواد كقوله سبحانه ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ﴿أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ ظاهر المراد.