الآيات 24-25

إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿24﴾ وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿25﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة الأعرج والشعبي وأبي العالية ونصر بن عاصم والحسن بخلاف وأزينت وقراءة أبي عثمان وازيانت.

الحجة:

أما ﴿ازينت﴾ فأصله تزينت فأدغمت التاء في الزاي وسكنت الزاي فاجتلبت لها ألف الوصل وأما أزينت فإنه على أفعلت أي جاءت بالزينة وازينت أجود في العربية لأن أزينت الأجود فيه أزانت مثل أقال وأباع وأما ازيأنت فوزنه افعالت وأصله ازيانت مثل إدهامت واسوادت إلا أنه كره التقاء الساكنين فحركت الألف فانقلبت همزة كقول كثير:

وللأرض أما سودها فتجللت

بياضا وأما بيضها فادهامت

اللغة:

الزخرف كمال حسن الشيء ويقال زخرفته أي حسنته ومنه زخرفت الجنة لأهلها أي زينت بأحسن الألوان وغني بالمكان أقام به والمغاني المنازل قال النابغة:

غنيت بذلك إذ هم لك جيرة

منها بعطف رسالة وتودد

والدعاء طلب الفعل بما يقع لأجله والداعي إلى الفعل خلاف الصارف عنه والفرق بين الدعاء والأمر أن في الأمر ترغيبا في الفعل وزجرا عن تركه وله صيغة تنبىء عنه والدعاء ليس كذلك وكلاهما طلب وأيضا فإن الأمر يقتضي أن يكون المأمور دون الأمر في الرتبة والدعاء يقتضي أن يكون فوقه.

المعنى:

لما تقدم ما يوجب الترغيب في الآخرة والتزهيد في الدنيا عقبه سبحانه بذكر صفة الدارين فقال ﴿إنما مثل الحياة الدنيا﴾ أي صفة الحياة الدنيا أو شبه الحياة الدنيا في سرعة فنائها وزوالها ﴿كماء أنزلناه من السماء﴾ وهو المطر ﴿فاختلط به﴾ أي بذلك المطر ﴿نبات الأرض﴾ لأن المطر يدخل في خلل النبات فيختلط به وقيل معناه فاختلط بسببه بعض النبات بالبعض فاختلط ما يأكل الناس بما يأكل الأنعام وما يقتات بما يتفكه ثم فصل ذلك فقال ﴿مما يأكل الناس﴾ كالحبوب والثمار والبقول ﴿والأنعام﴾ كالحشيش وسائر أنواع المراعي وقد قيل في المشبه والمشبه به في الآية أقوال (أحدها) أنه تعالى شبه الحياة الدنيا بالماء فيما يكون به من الانتفاع ثم الانقطاع (وثانيها) أنه شبهها بالنبات على ما وصفه من الاغترار به ثم المصير إلى الزوال عن الجبائي وأبي مسلم (وثالثها) أنه تعالى شبه الحياة الدنيا بحياة مقدرة على هذه الأوصاف ﴿حتى إذا أخذت الأرض زخرفها﴾ أي حسنها وبهجتها بأنواع الألوان وأجناس النبات وغير ذلك ﴿وازينت﴾ أي تزينت في عين رائيها ﴿وظن أهلها﴾ أي مالكها ﴿أنهم قادرون عليها﴾ أي على الانتفاع بها ومعناه بلغت المبلغ الذي ظن أهلها أنهم يحصدونها ويقدرون على غلتها أو إدامتها ﴿أتاها أمرنا ليلا أو نهارا﴾ أي أتاها عذابنا من برد أو برد وقيل معناه أتاها حكمنا وقضاؤنا بإهلاكها وإتلافها ﴿فجعلناها حصيدا﴾ أي محصودة ومعناها مقطوعة مقلوعة ذاهبة يابسة ﴿كأن لم تغن بالأمس﴾ أي كأن لم تقم على تلك الصفة بالأمس ومعناه كأن لم تكن ولم توجد من قبل ﴿كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون﴾ أي مثل ذلك نميز الآيات لقوم يتفكرون فيها فيعتبرون بها ولما بين سبحانه أن الدنيا تنقطع وتفنى بالموت كما يفنى هذا النبات بفنون الآفات ونبه على التوقع لزوالها والتحرز عن الاغترار بأحوالها رغب عقيبه في الآخرة فقال ﴿والله يدعوا إلى دار السلام﴾ قيل إن السلام وهو الله تعالى فإن الله تعالى يدعو إلى داره وداره الجنة عن الحسن وقتادة وقيل دار السلام الدار التي يسلم فيها من الآفات عن الجبائي والسلام والسلامة واحد مثل الرضاع والرضاعة قال:

تحيا بالسلامة أم بكر

وهل لك بعد رهطك من سلام

وقيل سميت الجنة دار السلام لأن أهلها يسلم بعضهم على بعض والملائكة تسلم عليهم ويسلم ربهم عليهم فلا يسمعون إلا سلاما ولا يرون إلا سلاما ويعضده قوله ﴿تحيتهم فيها سلام﴾ وما أشبهه ﴿ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾ قيل يهدي من يشاء إلي الإيمان والدين الحق بالتوفيق والتيسير والألطاف وقال الجبائي يريد به نصب الأدلة لجميع المكلفين دون الأطفال والمجانين وقيل معناه يهدي من يشاء في الآخرة إلى طريق الجنة الذي يسلكه المؤمنون ويعدل عنه الكافرون إلى النار.