الآيات 6-10

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴿6﴾ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿7﴾ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿8﴾ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿9﴾ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴿10﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر ﴿فشهادة أحدهم أربع شهادات﴾ بالرفع والباقون أربع شهادات بالنصب وقرأ حفص والخامسة الثانية بالنصب والباقون بالرفع وقرأ نافع أن ساكنة النون لعنة الله بالرفع وأن غضب الله عليها بكسر الضاد ورفع الله وقرأ يعقوب أن لعنة الله وأن غضب الله برفع لعنة وغضب جميعا والباقون ﴿أن لعنة الله﴾ و﴿أن غضب الله﴾ بالتشديد والنصب في الموضعين.

الحجة:

قال أبو علي من نصب أربع شهادات نصبه بالشهادة وينبغي أن يكون قوله ﴿شهادة أحدهم﴾ مبنيا على ما يكون مبتدأ تقديره فالحكم أو فالفرض أن تشهد أربع شهادات أو فعليهم أن يشهدوا وإن شئت حملته على المعنى لأن المعنى يشهد أحدهم وقوله ﴿بالله﴾ يجوز أن يكون من صلة الشهادة لأنك أوصلتها بالشهادة ومن صلة شهادات إذا نصبت الأربع وقياس من أعمل الثاني أن يكون قوله ﴿بالله﴾ من صلة شهادات وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه كما تقول ضربت وضربني زيد ومن رفع فقال ﴿شهادة أحدهم أربع شهادات بالله﴾ فإن الجار والمجرور من صلة شهادات ولا يجوز أن يكون من صلة شهادة لأنك إن وصلتها بالشهادة فقد فصلت بين الصلة والموصول ألا ترى أن الخبر الذي هو ﴿أربع شهادات﴾ يفصل قوله ﴿إنه لمن الصادقين﴾ في قول من نصب أربع شهادات يجوز أن يكون من صلة شهادة أحدهم فتكون الجملة التي هي ﴿إنه لمن الصادقين﴾ في موضع نصب لأن الشهادة كالعلم فيتعلق بها أن كما يتعلق بالعلم والجملة في موضع نصب بأنه مفعول به و﴿أربع شهادات﴾ ينتصب انتصاب المصدر ومن رفع ﴿أربع شهادات﴾ لم يكن ﴿إنه لمن الصادقين﴾ إلا من صلة شهادات دون صلة شهادة لأنك إن جعلته من صلة شهادة فصلت بين الصلة والموصول ومن قرأ أن لعنة الله عليه وأن غضب الله عليها فمعناه أنه لعنة الله عليه وأنه غضب الله عليها خففت الثقيلة المفتوحة على إضمار القصة والحديث ولا تكون في ذلك كالمكسورة لأن الثقيلة المفتوحة موصولة والموصول يتشبث بصلته أكثر من تشبث غير الموصول بما يتصل به وأهل العربية يستقبحون أن تلي الفعل حتى يفصل بينها وبين الفعل بشيء ويقولون استقبحوا أن تحذف ويحذف ما تعمل فيه وإن تلي ما لم تكن تليه من الفعل بلا حاجز بينهما فتجتمع هذه الاتساعات فيها فإن فصل بينها وبين الفعل بشيء لم يستقبحوا ذلك كقوله تعالى علم أن سيكون منكم مرضى وقوله أ فلا يرون ألا يرجع إليهم قولا وعلمت أن قد قام فإن قلت فقد جاء وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وجاء نودي أن بورك من في النار ومن حولها فالجواب فإن ليس يجري مجرى ما ونحوها مما ليس بفعل وأما قوله نودي أن بورك فإن قوله بورك على معنى الدعاء فلم يجز دخول لا ولا قد ولا السين ولا شيء مما يصح دخوله الكلام فيصح به الفصل ووجه قراءة نافع أن ذلك قد جاء في الدعاء ولفظه لفظ الخبر وقد يجيء في الشعر وإن لم يكن شيء يفصل بين أن وبين ما تدخل عليه من الفعل فإن قلت فلم لا تكون أن في قوله أن غضب الله أن الناصبة للفعل وصل بالماضي فيكون كقراءة من قرأ وامرأة مؤمنة أن وهبت نفسها للنبي فإن ذلك لا يسهل أ لا ترى أنها متعلقة بالشهادة والشهادة بمنزلة العلم لا تقع بعدها الناصبة.

النزول:

الضحاك عن ابن عباس قال لما نزلت الآية والذين يرمون المحصنات قال عاصم بن عدي يا رسول الله إن رأى رجل منا مع امرأته رجلا فأخبر بما رأى جلد ثمانين وإن التمس أربعة شهداء كان الرجل قد قضى حاجته ثم مضى قال كذلك أنزلت الآية يا عاصم قال فخرج سامعا مطيعا فلم يصل إلى منزله حتى استقبله هلال بن أمية يسترجع فقال ما وراءك قال شر وجدت شريك بن سحما على بطن امرأتي خولة فرجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره هلال بالذي كان فبعث إليها فقال ما يقول زوجك فقالت يا رسول الله إن ابن سحما كان يأتينا فينزل بنا فيتعلم الشيء من القرآن فربما تركه عندي وخرج زوجي فلا أدري أدركته الغيرة أم بخل علي بالطعام فأنزل الله آية اللعان ﴿والذين يرمون أزواجهم﴾ الآيات وعن الحسن قال لما نزلت والذين يرمون المحصنات الآية قال سعد بن عبادة يا رسول الله أ رأيت إن رأى رجل مع امرأته رجلا فقتله تقتلونه وإن أخبر بما رأى جلد ثمانين أ فلا يضربه بالسيف فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفى بالسيف شاة أراد أن يقول شاهدا ثم أمسك وقال لو لا أن يتابع فيه السكران والغيران وفي رواية عكرمة عن ابن عباس قال سعد بن عبادة لو أتيت لكاع وقد يفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء فو الله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته ويذهب وإن قلت ما رأيت إن في ظهري لثمانين جلدة فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا معشر الأنصار ما تسمعون إلى ما قال سيدكم فقالوا لا تلمه فإنه رجل غيور ما تزوج امرأة قط إلا بكرا ولا طلق امرأة له فاجترى رجل منا إن يتزوجها فقال سعد بن عبادة يا رسول الله بأبي أنت وأمي والله إني لأعرف أنها من الله وأنها حق ولكن عجبت من ذلك لما أخبرتك فقال فإن الله يأبى إلا ذاك فقال صدق الله ورسوله فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى جاء ابن عم له يقال له هلال بن أمية من حديقة له قد رأى رجلا مع امرأته فلما أصبح غدا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إني جئت أهلي عشاء فوجدت معها رجلا رأيته بعيني وسمعته بإذني فكره ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى رأى الكراهة في وجهه فقال هلال إني لأرى الكراهة في وجهك والله يعلم إني لصادق وإني لأرجو أن يجعل الله فرجا فهم رسول الله بضربه وقال واجتمعت الأنصار وقالوا ابتلينا بما قال سعد أ يجلد هلال وتبطل شهادته فنزل الوحي وأمسكوا عن الكلام حين عرفوا أن الوحي قد نزل فأنزل الله تعالى ﴿والذين يرمون أزواجهم﴾ الآيات فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أبشر يا هلال فإن الله تعالى قد جعل فرجا فقال قد كنت أرجو ذاك من الله تعالى فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسلوا إليها فجاءت فلاعن بينهما فلما انقضى اللعان فرق بينهما وقضى أن الولد لها ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن جاءت به كذا وكذا فهو لزوجها وإن جاءت به كذا وكذا فهو للذي قيل فيه.

المعنى:

لما تقدم حكم القذف للأجنبيات عقبه بحكم القذف للزوجات فقال ﴿والذين يرمون أزواجهم﴾ بالزنا ﴿ولم يكن لهم شهداء﴾ يشهدون لهم على صحة ما قالوا ﴿إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات﴾ قال الزجاج معناه فشهادة أحدهم التي تدرأ حد القاذف أربع شهادات ومن نصب فمعناه فالذي يدرأ عنهم العذاب أن يشهد أحدهم أربع شهادات ﴿بالله أنه لمن الصادقين﴾ فيما رماها به من الزنا ﴿والخامسة﴾ أي والشهادة الخامسة ﴿أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين﴾ فيما رماها به من الزنا والمعنى أن الرجل يقول أربع مرات مرة بعد مرة أخرى أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما ذكرت عن هذه المرأة من الفجور فإن هذا حكم خص الله به الأزواج في قذف نسائهم فتقوم الشهادات الأربع مقام الشهود الأربعة في دفع حد القذف عنهم ثم يقول في المرة الخامسة لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا ﴿ويدرأ عنها العذاب﴾ ويدفع عن المرأة حد الزنا ﴿أن تشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين﴾ معناه أن تقول المرأة أربع مرات مرة بعد أخرى أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما قذفني به من الزنا ﴿والخامسة أن غضب الله عليها﴾ أي وتقول في الخامسة غضب الله علي ﴿إن كان من الصادقين﴾ فيما قذفني به من الزنا ثم يفرق الحاكم بينهما ولا تحل له أبدا وكان عليها العدة من وقت لعانها ﴿ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم﴾ جواب لو لا محذوف تقديره ولو لا فضل الله عليكم بالنهي عن الزنا والفواحش وإقامة الحدود لتهالك الناس ولفسد النسل وانقطع الأنساب عن أبي مسلم وقيل معناه لو لا إفضال الله وإنعامه عليكم وأن الله عواد على من يرجع عن المعاصي بالرحمة حكيم فيما فرضه من الحدود لنال الكاذب منهما عذاب عظيم أي لبين الكاذب منهما فيقام عليه الحد وقيل لعاجلكم بالعقوبة ولفضحكم بما تركبون من الفاحشة ومثله قوله لو رأيت فلانا وفي يده السيف والمعنى لرأيت شجاعا أو لرأيت أمرا هائلا وقال جرير:

كذب العواذل لو رأين مناخنا

بحزيز رامة والمطي سوام

وجاء في المثل لو ذات سوار لطمتني.