الآيات 18-20

وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿18﴾ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿19﴾ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ﴿20﴾

القراءة:

قرأ تشركون بالتاء أهل الكوفة غير عاصم وكذلك في النحل في موضعين وفي الروم والباقون كل ذلك بالياء.

الحجة:

من قرأ بالتاء فلقوله ﴿أتنبئون الله﴾ ومن قرأ بالياء احتمل وجهين (أحدهما) على قل كأنه قيل له قل أنت سبحانه وتعالى عما يشركون والوجه الآخر أن يكون هو سبحانه نزه نفسه عما أقروه فقال ذلك.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار فقال ﴿ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم﴾ أي ويعبد هؤلاء المشركون الأصنام التي لا يضرهم إن تركوا عبادتها ولا ينفعهم إن عبدوها فإن قيل كيف ذمهم على عبادة الصنم الذي لا ينفع ولا يضر مع أنه لو نفع وضر لكان لا يجوز أيضا عبادته قلنا عبادة من لا يقدر على أصول النعم وإن قدر على النفع والضر إذا كان قبيحا فمن لا يقدر على النفع والضر أصلا من الجماد تكون عبادته أقبح وأشنع فلذلك خصه بالذكر ﴿ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله﴾ أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم قالوا إنا نعبد هذه الأصنام لتشفع لنا عند الله وإن الله أذن لنا في عبادتها وأنه سيشفعها فينا في الآخرة وتوهموا أن عبادتها أشد في تعظيم الله سبحانه من قصده تعالى بالعبادة فجمعوا بين قبيح القول وقبيح الفعل وقبيح التوهم وقيل معناه هؤلاء شفعاؤنا في الدنيا لإصلاح معاشنا عن الحسن قال لأنهم كانوا يقرون بالبعث بدلالة قوله وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ﴿قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض﴾ أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يقول لهم على وجه الإلزام أتخبرون الله بما لا يعلم من حسن عبادة الأصنام وكونها شافعة لأن ذلك لو كان صحيحا لكان تعالى به عالما ففي نفي علمه بذلك نفي المعلوم ومعناه أنه ليس في السماوات ولا الأرض إله غير الله ولا أحد يشفع لكم يوم القيامة وقيل معناه أ تخبرون الله بشريك أو شفيع لا يعلم شيئا كما قال ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض فكذلك وصفهم بأنهم لا يعلمون في السماوات والأرض شيئا ﴿سبحانه وتعالى عما يشركون﴾ أي تنزه الله تعالى عن أن يكون له شريك في استحقاق العبادة ﴿وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا﴾ فيه أقوال (أحدها) أن الناس كانوا جميعا على الحق وعلى دين واحد فاختلفوا في الدين الذي كانوا مجتمعين عليه ثم قيل أنهم اختلفوا على عهد آدم وولده عن ابن عباس والسدي ومجاهد والجبائي وأبي مسلم، ومتى اختلفوا؟ قيل عند قتل أحد ابنيه أخاه وقيل اختلفوا بعد موت آدم (عليه السلام) لأنهم كانوا على شرع واحد ودين واحد إلى زمن نوح وكانوا عشرة قرون ثم اختلفوا عن أبي روق وقيل كانوا على ملة الإسلام من لدن إبراهيم (عليه السلام) إلى أن غيره عمرو بن لحي وهو أول من غير دين إبراهيم وعبد الصنم في العرب عن عطاء ويدل على صحة هذه الأقوال قراءة عبد الله وما كان الناس إلا أمة واحدة على هدى فاختلفوا عنه (وثانيها) أن الناس كانوا أمة واحدة مجتمعة على الشرك والكفر عن ابن عباس والحسن والكلبي وجماعة ثم اختلف هؤلاء فقيل كانت أمة كافرة على عهد إبراهيم ثم اختلفوا فتفرقوا فمنهم مؤمن ومنهم كافر عن الكلبي وقيل كانت كذلك منذ وفاة آدم إلى زمن نوح عن الحسن وقيل أراد به العرب الذين كانوا قبل مبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإنهم كانوا مشركين إلى أن بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فآمن به قوم وبقي آخرون على الشرك وسئل علي (عليه السلام) عن هذا فقيل كيف يجوز أن يطبق أهل عصر على الكفر حتى لا يوجد مؤمن يشهد عليهم والله تعالى يقول فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وأجيبوا عن ذلك بأنه يجوز أن يكون أهل كل عصر وإن لم يخل عن مؤمنين يشهدون عليهم فربما يقلون في عصر وإنما يتبع الاسم الأعم وعلى هذا يقال دار الإسلام ودار الكفر وفي تفسير الحسن وما كان الناس إلى مبعث نوح إلا ملة واحدة كافرة إلا الخاصة فإن الأرض لا تخلو من أن يكون لله تعالى فيها حجة (وثالثها) إن الناس خلقوا على فطرة الإسلام ثم اختلفوا في الأديان ﴿ولو لا كلمة سبقت من ربك﴾ من أنه لا يعاجل العصاة بالعقوبة إنعاما عليهم في التأني بهم ﴿لقضي بينهم﴾ أي فصل بينهم ﴿فيما فيه يختلفون﴾ بأن يهلك العصاة وينجي المؤمنين لكنه أخرهم إلى يوم القيامة تفضلا منه إليهم وزيادة في الإنعام عليهم ثم حكى سبحانه عن هؤلاء الكفار فقال ﴿ويقولون لو لا أنزل عليه آية من ربه﴾ أي هلا أنزل على محمد آية من ربه تضطر الخلق إلى المعرفة بصدقة فلا يحتاجون معها إلى النظر والاستدلال ولم يطلبوا معجزة تدل على صدقه لأنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد أتاهم بالمعجزات الدالة على نبوته وإنما لم يلجئهم الله إلى ما التمسوه لأن التكليف يمنع من الاضطرار إلى المعرفة فإن الغرض بالتكليف التعريض للثواب ولو كانت المعرفة ضرورة لما استحقوا ثوابا فكيف وكان يكون ذلك ناقضا للغرض ﴿فقل إنما الغيب لله﴾ معناه فقل يا محمد إن الذي يعلم الغيب ويعلم مصالح الأمور قبل كونها هو الله العالم لنفسه يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها لا تخفى عليه خافية فيعلم ما في إنزاله صلاح فينزله ويعلم ما ليس في إنزاله صلاح فلا ينزله ولذلك لا يفعل الآية التي اقترحوها في هذا الوقت لما في ذلك من حسن تدبير ﴿فانتظروا﴾ أي فانتظروا عقاب الله تعالى بالقهر والقتل في الدنيا والعقاب في الآخرة ﴿إني معكم من المنتظرين﴾ لأن الله تعالى وعدني النصرة عليكم وقيل معناه فانتظروا إذلال الكافرين فإني منتظر إعزاز المؤمنين.